Translate

Friday, April 7, 2017

رامى جلال - مصر السهلة! - جريدة الوطن - 7/4/2017

على لسان الكثيرين نغمة تقول إن مصر دولة سيئة لا أمل فيها، والحياة بها صعبة. الجميع يلعن الظروف ويشكو حظه العثر ناعياً الأطلال لائماً الأقدار على وجوده فى تلك البقعة من الكوكب.. والواقع عكس ذلك تماماً؛ ففى مصر وحسب يمكنك التميز وأنت بلا مؤهلات، فالتيار العام كسول، لا يتعب نفسه ولا يسأل أحداً.
محظوظ هو من وُلد فى هذا المكان السهل؛ فعلى المستوى النظرى، مجرد قراءة بضعة كُتب فى أى مجال تجعلك أفضل بكثير من قطاع عريض من الشعب، ومشاهدة حزمة من الأفلام الوثائقية عن الحرب العالمية الثانية مثلاً قد تصنع منك خبيراً فى التاريخ الألمانى الحديث؛ لأنك ببساطة ستقول العادى الذى لا يعرفه أحد من الكسالى.. أما على المستوى العملى؛ فصداقتك بشخصية واحدة مهمة تكفل لك مكاناً متفوقاً على الآلاف ممن هم أفضل منك.
مصر هى الدولة التى جعلت من نصابين فرساناً للعصر! ففيها فقط، يحصل مُغنٍ على شهرة واسعة لا لأنه أصدر «شريط جديد» بل لأنه زور «شهادة تجنيد»! وبها ممثل لا علاقة له بالمعرفة ولم يقرأ خمسة كتب طوال حياته يتم ترشيحه طوال الوقت لمنصب وزير الثقافة، ليس لأى سبب إلا لأنه يتكلم طوال الوقت بصوت خفيض وإيقاع منمق عن الأخلاق وأهميتها.. فى مصر شخص لقبه «كاتب كبير» تتلخص مآثره فى نقل فيلم أجنبى بالمشهد وتحويله إلى رواية فاز بها بجائزة مشهورة، الرجل نقل وجهة نظر صُناع الفيلم المختلطة بالتاريخ وادعى أنه بحث محقق.
فى بلدنا أيضاً من يلقبونه بـ«المفكر الكبير» بينما كل إنجازاته هى ترجمة مجموعة كتب وأبحاث إنجليزية تتحدث عن إعمال العقل وأنماط التفكير المختلفة (كذبة بيضاء)، مع الادعاء بالحصول على شهادة جامعية من جنيف (كذبة حمراء)، مع الزعم بأنه أستاذ فى جامعة أكسفورد (كذبة سوداء). وكل الكذبات السابقة تُكون علم مصر أم الدنيا، أسهل مكان فى الدنيا.
عموماً، دعك من كل هؤلاء، فهم فى النهاية قد بذلوا جهوداً ما! لكن يمكنك أن تكون مهماً فى ثلاث دقائق فقط (بجد)، والطريقة سهلة: اختر لنفسك شيئاً تبدو عليه الأهمية لكى تترأسه، مثلاً: مبادرة «مصر أحلى بينا»، أو «مع شبابها هنشيل ترابها».. أو اعلن أنك قد كونت «جبهة» (ممكن أن تكون وحدك أو مع ثلاثة أو أربعة أصدقاء)، ولا بد أن تُسمى «جبهة» لتعطى إيحاء الأهمية والفخامة، سمها مثلاً: «جبهة الدفاع عن سمك السلمون»، أو «الجبهة المصرية العالمية لمناطحة التنظيمات الشعبوية المعارضة للوطن».. بالمناسبة هذا لا ينفى وجود مبادرات مهمة وجبهات حقيقية.. كل ما سبق سيأخذ منك دقيقة واحدة، وستحتاج للأسف إلى دقيقتين أكثر (معلش الدنيا برضة مش سايبة)، تواصل مع محرر سهل مثلك فى أى وسيلة إعلامية سهلة. سينشر لك أخباراً من عينة «رئيس الجبهة قال»، أو «صاحب المبادرة عاد».. وهكذا، بعدها يلتقطك مُعد سهل، أو تلتقطه أنت، أيهما أسهل، لتكون ضيفاً تليفزيونياً. وبعد فترة سيظن مسئول سهل أنك لست سهلاً فيبدأ فى دعوتك لفعاليات.. مبروك أصبحت مهماً رغم سهولتك.

No comments:

Post a Comment