Translate

Saturday, April 22, 2017

د. عماد جاد - أين الدولة؟ (٢) - جريدة الوطن - 22/4/2017

فى الوقت الذى يكثر فيه الحديث عن الدولة المدنية الحديثة، دولة المواطنة والمساواة، وندافع عن هذه الفكرة فى مواجهة من يتّهمون مؤسسات الدولة المصرية بممارسة سياسات تمييزية بحق المواطنين المصريين المسيحيين، ونتولى الدفاع عن صورة مصر «المصرية»، الدولة المركزية التى أصابها بعض العطب والخلل نتيجة زحف الفكر الوهابى لاعتبارات تتعلق بضعف الموارد وسفر ملايين المصريين إلى الخليج وتحديداً السعودية، سعياً وراء الرزق وعودتهم بفكر متشدّد منغلق على حساب الفكر المصرى الوسطى، فإن الواقع يقول لنا إن الحال فى مصر يتدهور بشدة على مستوى فكرة ومبدأ «العيش المشترك»، فما زرعه الفكر السلفى، وما رعاه الرئيس المؤمن وأجهزته الأمنية من سياسات تديين المجال العام، والتضييق على المسيحيين المصريين ودفعهم دفعاً إلى الانعزال داخل أسوار الكنائس، بحثاً عن الأمان المفقود. الحقيقة أن كل ذلك لا يزال يضرب مؤسسات الدولة المصرية وسياساتها بصفة عامة، فما يحدث من اختفاء قاصرات والتراخى فى تطبيق القانون، وأحياناً رعاية الخاطف ومساعدته، وما يحدث من تصدى مواطنين بسطاء لمنع شركاء الوطن من مجرد الصلاة إلى خالق الجميع، وما يحدث من تفهم بعض رجال الأمن والمسئولين التنفيذيين لمثل هذه الجرائم، والإصرار على محاكمة أطفال بموجب قانون ازدراء الأديان والحكم عليهم بالعقوبة القصوى بالسجن خمس سنوات، وتدمير مستقبلهم، وهروبهم دون أن يعلم أحد أين هم، وترحيل مواطنين من موطنهم بقرارات عرفية بمباركة ورعاية أمنية.. كل ذلك يضع الإنسان أمام مأزق حقيقى، فماذا تريد أجهزة ومؤسسات الدولة؟ تلك الأجهزة والمؤسسات التى تتغنّى بوطنية الأقباط، وتُقدّر صبرهم ومساندتهم للدولة فى الأوقات العصيبة، تلك الأجهزة والمؤسسات التى تحتفى بوطنية الأقباط وتُهلل لقول البابا تواضروس «وطن بلا كنائس خير من كنائس بلا وطن»، فى حين تتجبّر وتتكبّر عند التعامل مع أزمات الأقباط ومشكلاتهم، وتواجه أنينهم بصم الآذان حيناً، والمراوغة أحياناً كثيرة. ماذا فعلت الأجهزة والمؤسسات تجاه صراخ وأنين أسر اختفت بناتها؟ ماذا فعلت وهى ترى الأقباط يُمنعون من أداء شعائرهم الدينية، وتقول إن الموضوع معقد، لأن المتشدّدين يسيطرون على الموقف فى موقع الجريمة؟ لقد أدى كل ذلك إلى حالة من الغضب الشديد داخل صفوف الأقباط، حالة يبذل البابا تواضروس جهوداً هائلة لضبطها والسيطرة عليها، إلى متى يستطيع ذلك؟ لا أعرف.
السؤال هنا: ماذا تريد مؤسسات الدولة بالضبط؟ على ماذا تراهن مؤسسات الدولة المصرية؟ هل تراهن على صبر وطول أناة الأقباط؟ ممكن، لكن إلى متى يصبرون؟ ماذا تريد مؤسسات الدولة المصرية من وراء استمرار هذه السياسات الضاغطة بقوة على الأقباط؟
لقد جرّبنا كل الطرق والوسائل القانونية والشرعية فى التعامل مع مؤسسات الدولة المصرية، نقول لهم ماذا يضركم من إعادة بنت قاصر، هربت مع شاب مسلم واختفت، والإعادة هنا واجب على هذه المؤسسات، لأنها مسئولة عن تطبيق القانون، والقانون صريح تماماً فى نصوصه التى تقول إن الطفلة أو الفتاة دون الثامنة عشرة قاصر، لا يجوز تزويجها، ولا تغيير ديانتها، وأى شخص يفعل ذلك هو مجرم أمام القانون، وتصل العقوبة فى حال مواقعتها جنسياً إلى الإعدام؟ ماذا نقول لأهالى أولئك الفتيات؟ بماذا نرد على الأقباط الذين يستغيثون بنا كنواب فى البرلمان المصرى، أن وفروا لنا الحماية والأمن، نريد فقط ممارسة شعائرنا الدينية!! الحقيقة لا إجابة لدينا وباتت صورتنا سيئة للغاية لدى عامة المصريين المؤيدين للدولة المدنية، دولة المواطنة والقانون.
كنت مؤمناً ولا يزال لدى القليل من هذا الإيمان بأن مصر ستنتصر على داء الطائفية والتعصب، وأن مؤسسات الدولة المصرية سوف تتعافى بعد «٣٠ يونيو» من أمراض التعصّب والتمييز، وأن مؤسسات الدولة سوف تسعى إلى تغيير جذرى فى أدوات التنشئة من مناهج دراسية، خطاب دينى، وسائل الإعلام من أجل بناء دولة مدنية حديثة تنهض على الحرية، العدل، المساواة، وعدم التمييز، لكن ما جرى ويجرى قضى على الكثير من هذه الآمال.
أنا شخصياً وصلت إلى شفا اليأس، وأكاد أصل إلى استنتاج مؤداه أن ما يجرى من سياسات تمييز وتضييق على المصريين الأقباط سوف يستمر، وأننا نسير بالفعل نحو الهاوية.
أتمنى ألا يُؤخذ ذلك على أنه تهديد، فلا أحد يُهدّد الدولة المصرية، بل هى صرخة من الأعماق لمن صدمه الواقع المؤلم، ومن تصدٍّ طويل على مدار سنوات طويلة للعمل العام، سعياً إلى مواطنة غير منقوصة، وحياة للإنسان بكرامة على أرض أجداده.

No comments:

Post a Comment