Translate

Monday, April 24, 2017

د. عماد جاد - أين الدولة؟ (٤) - جريدة الوطن - 24/4/2017

تكاد تختفى الدولة تماماً ومعها الدستور والقانون فى كل المشاكل المتعلقة بالأقباط، تترك مكانها لرموز التشدد والتطرف، تضع يديها على عينيها (مقلدة القرد الصينى) حتى لا ترى ما يحدث ويجرى، أو تبدو فى صورة غير العالم بما يجرى. تتدخل فقط عندما يعجز رجالها عن تنفيذ ما هو مطلوب، تتدخل عندما تقع جرائم قتل وتمثيل بالجثث، ويكون تدخلها لمساندة الجانى ومساعدته على الهروب من تطبيق القانون، فعندما يتم القبض على قتلة ومجرمين، يجرى التدخل سريعاً والترويج منذ البداية لمقولة الخلل النفسى والعقلى للجانى، ومن ثم لا تجوز المحاكمة، بل يتم إيداعه مستشفى الأمراض النفسية والعصبية إلى حين، ثم يجرى الإفراج عنه بعد ذلك، وهو ما جرى أكثر من مرة، ولعل أبرزها الشرطى قاتل الأسرة القبطية فى قطار الصعيد عند مدينة سمالوط، فرغم أن الشرطى فى مهمة رسمية ومزود بسلاح «ميرى»، فإن تعليق الداخلية الأول على الجريمة أن الشرطى يعانى من خلل نفسى!! ولا مانع من توظيف القانون هنا عبر استخدام بعض المواد التى تتحدث عن محاسبة القاتل وفق أدلة وقرائن مادية ومن ثم يجرى استخدام مبدأ شيوع الاتهام لتبرئة القتلة، كما حدث فى جريمتى «الكشح». وإذا ما ثبتت الجريمة بالأدلة والبراهين بحق متهمين، هنا تدفع أجهزة الدولة بمن يروج لجلسات الصلح العرفية التى تنتهى بتهريب المجرم من جريمته وعادة ما تضع قدراً من التعويض على المجنى عليه، وكثيراً ما كانت تحكم الجلسات العرفية على الضحايا من أقباط بمغادرة ديارهم (الترحيل القسرى المخالف للدستور) تحت ذريعة حقن الدماء وتهدئة غضب المواطنين.
نعود ونذكّر بقصة قرية «كوم اللوفى»، التى تضم نحو اثنى عشر ألفاً من المواطنين المصريين الأقباط، الذين يريدون فقط ممارسة حق العبادة للخالق، وبناء كنيسة يصلون فيها إلى الله، ولم يتمكنوا من ذلك بسبب رفض المتشددين فى القرية لبناء كنيسة، قالوا تسلمنا القرية دون كنيسة وسوف نسلمها لأولادنا دون كنيسة، وأضاف ممثل الأزهر الوسطى فى القرية فى حديث مع جريدة الأهرام أن «كوم اللوفى» أرض إسلام، ومن ثم لا تجوز بناء الكنائس فيها. حاول أقباط القرية استخدام أحد بيوتهم للصلاة فيها، فكانوا يتعرضون للقذف بالحجارة وحرق منازلهم. حاولوا ذلك فى أكثر أسابيع السنة قداسة بالنسبة للأقباط وللمسيحيين فى العالم وهو أسبوع الآلام، فكان الرد قذف بالحجارة وحرق منزلين من منازل أقباط القرية.
غابت الدولة بصفة عامة عن المشهد، فالسيد اللواء الوزير المحافظ والسيد مدير الأمن كانا يتفاوضان مع المتشددين فى محاولة لإقناعهم بشىء ما لا نعرفه، المهم أن السيد اللواء الوزير المحافظ، والأجهزة الأمنية فوضوا ثلاثة من كبار رجال القرية أطلقوا عليهم «حكماء القرية» من أجل حل المشكلة عرفياً، فطرحت لجنة الحكماء حلولاً مهينة على أقباط القرية، وعندما انتشر الخبر وتناولته وسائل الإعلام، سارع السيد اللواء الوزير المحافظ بنفى صلته باللجنة، بل ونفى وجود لجنة أصلاً، وهو نفى كاذب فقد تواصلت مع الكنيسة الأم هناك، وأكدوا لى صحة الواقعة، وأن الحكماء الثلاثة قد زاروا رجل الدين المسيحى وعرضوا عليه حلولهم التى تحدد ثلاثة مواقع خارج القرية لبناء مبنى على واحد منها دون أى ملامح دينية: لا صليب، لا جرس ولا منارة، ولا يوضع على المبنى ما يشير إلى صلته بقرية كوم اللوفى ولا يستخدم إلا فى العبادة فقط، أى لا يستخدم فى تقديم خدمات اجتماعية أو خيرية.
تتصور مؤسسات الدولة أن تغيّبها العمدى عن معالجة مشاكل للأقباط يمكن أن يعفيها من المسئولية، وهو محض وهم، فالجميع يعلم أن مؤسسات الدولة عندما تغيب، فهى تفعل ذلك إرادياً، حتى تتهرب من تطبيق الدستور والقانون بكل ما يترتب على ذلك من تجريد الأقباط من حقوق أساسية من حقوق المواطنة. فى تقديرى أن استمرار مثل هذه السياسات ستكون له تداعيات خطيرة على أمن واستقرار بلدنا.

No comments:

Post a Comment