Translate

Sunday, April 16, 2017

الأقباط والعنف (٣).. العقلية التبريرية - جريدة الوطن - 16/4/2017

رغم عدم وجود موقع فى القلب والعقل القبطى للعنف والإرهاب، إلا أننا اعتدنا على مواجهة اتهامات متكرّرة للأقباط بأن لديهم تشدّداً وتطرفاً، ومن ثم فإن التطرف والتشدد يطال الجميع، وبالتالى لا يجوز التركيز فقط على العنف الذى تمارسه الجماعات الدينية الإسلامية، فهناك تشدد وتطرف لدى الجانب المسيحى فى مصر، نستمع إلى مثل هذه الاتهامات كلما وقع اعتداء طائفى من قِبل الجماعات المتطرّفة على مجموعة من الأقباط، فعادة ما يخرج بعض رجال الدين للحديث عن العنف فى المسيحية واليهودية، ويقومون بتفسير ذاتى لبعض آيات العهد القديم أو التوراة، وهناك من المحللين السياسيين القريبين من الجماعات المتشدّدة فكراً وممارسة من يخرج ليؤكد أن التطرّف والعنف موجودان فى كل الأديان وأن المسيحية بها تشدد وتطرف. لا مشكلة فى الحديث عن وجود متشدّدين فى كل الأديان، لكن المشكلة أن من يرد على جرائم الجماعات الإسلامية بحق الأقباط مثل تفجير كنيستى طنطا والإسكندرية بالقول إن التشدد والتطرف موجود لدى الجانبين، إنما يستهدف تبرير جرائم هذه الجماعات، مثله مثل الذى يتحدث عن مسئولية الدولة عن ظاهرة التطرف والتشدد والعنف، مبرراً ذلك بالتهميش الاقتصادى والاجتماعى والسياسى، وأيضاً الفقر والجهل، فمثل هذه الأقوال تقع فى خانة التبرير، لا التفسير والتحليل، فعدد كبير من مرتكبى جرائم العنف الدينى من حَمَلة المؤهلات العليا، ومن خريجى الكليات العملية العليا، مثل الطب والهندسة، فضلاً عن انضمام شباب مقيم فى الغرب إلى هذه الجماعات.
نعم، هناك تشدد فى المسيحية، لكنه تشدد روحى - طقسى على الذات، ولم يرتكب فى يوم من الأيام جرائم قتل النفس أو الآخرين، فليس لديه ما يدفعه إلى ممارسة الإرهاب، قناعاته أن الدين علاقة بين الشخص وخالقه، لا يتدخّل فى شئون الآخرين، ولا يُجبر أحداً كى يكون صالحاً.
مشكلتنا الجوهرية فى مصر أننا نبحث باستمرار عن التبرير الذى يُعفى الذات من المسئولية، نبحث عن مبرّر لمن يمارس العنف والإرهاب، نبحث عن مبرر للجرائم التى تُرتكب بحق الآخرين، ونؤكد أن الدولة المصرية مسئولة مسئولية كاملة عما يجرى بصفة عامة، عن التشدّد والتطرف والغلو، عن الجرائم الإرهابية التى تقع فى البلاد، فالدولة المصرية انحرفت عن مهامها الرئيسية منذ مجىء «السادات» إلى السلطة، وبدأت فى تديين المجال العام فى البلاد، ومن أجل فتح مُدد الرئاسة جرى تعديل المدة الثانية لتنص على الشريعة باعتبارها المصدر الرئيسى للتشريع، بعد أن كانت مصدراً رئيسياً من مصادر التشريع، وأطلق يد المؤسسات الأمنية فى رعاية المتطرفين من إخوان مسلمين وسلفيين، وجرى تنحية القانون جانباً لصالح أعراف صحراوية بالية تقهر المواطن القبطى، وتفرض عليه دفع تعويضات، ورحيلاً عن موطنه. الدولة المصرية ذاتها تتعامل مع القبطى باعتباره مواطناً من الدرجة الثانية، مشكوكاً فى ولائه، فلا وجود له فى مؤسسات الدولة السيادية، وطرق الترقى الوظيفى تُغلق فى وجهه، لذلك تنزع غالبية الأسر القبطية إلى دفع أبنائهم إلى دخول الكليات العملية لبدء حياة عملية، بعيداً عن الوظائف الحكومية، حتى لا يتعرّضوا للظلم.
يحدث كل ذلك والجميع يعلم أن الأقباط يعشقون تراب وطنهم، لا ولاء لهم خارج حدود الوطن، لا قطعة أرض فى الكون تتقدم على أرض الوطن محبة وقداسة، السؤال هنا: إلى متى يمكن أن يتقبّل الأقباط ذلك؟


No comments:

Post a Comment