Translate

Monday, April 17, 2017

د. عماد جاد - الأقباط والعنف (٤): دولة المواطنة - جريدة الوطن - 17/4/2017

إذا أردنا إنهاء حالة التوتر المجتمعى السائدة فى بلادنا اليوم، فلا بد من وضع أساس دولة المواطنة، دولة مدنية عصرية حديثة، دولة تحترم خصوصية المواطنين وتقف على مسافة واحدة من الجميع، دولة تسن قوانين وتطبقها على الجميع، سلطة تشريعية مستقلة تسن القوانين وتراقب تطبيقها، سلطة تنفيذية تطبق القانون بحرفية ومهنية وعلى أرضية وطنية، دولة تفض الاشتباك بين الدين والسياسة، مرجعيتها دستور مدنى، سلطة قضائية تصدر الأحكام بموجب قوانين البلاد، وقبل كل ذلك وقف تديين المجال العام المستمر منذ بداية السبعينات، فبلدنا الذى كان نموذجاً فى الربع الثانى من القرن العشرين للدولة المدنية، تراجع كثيراً واستقر فى قاع دول العالم على مقاييس الإنجاز والتحضر واتباع القيم الإنسانية.
منذ تسلمه مقاليد السلطة عام ١٩٧٠، حرص الرئيس الراحل أنور السادات على إبرام صفقة مع جماعة الإخوان، قرر ذلك رغم أنه كان شاهداً على غدر الجماعة وخيانتها للرئيس جمال عبدالناصر، ولكن يبدو أن السادات كان يرى فى التنظيمات اليسارية والناصرية الخطر الرئيسى على نظامه، فقرر الاستعانة بجماعة الإخوان من أجل الحد من نفوذ وجماهيرية التيار الناصرى وتأثير التيار اليسارى لاسيما فى الجامعات المصرية. سار السادات فى هذا الطريق فأفرج عن قيادات الجماعة وكل المعتقلين من كوادرها، وسمح لمن هربوا إلى الخليج العربى بالعودة، وسلم للجماعة المسئولية عن إدارة وزارة التعليم، ترك لهم مجال تنشئة الأجيال وحشو العقول المصرية، سلم لهم المسئولية بالكامل. وفى الوقت نفسه قام السادات بالتعاون مع محافظ أسيوط بوضع بذور الجماعة الإسلامية وأمدها بالمال وسلاح بهدف ضرب التيارين الناصرى واليسارى فى الجامعات المصرية. استغلت الجماعة الموقف فقامت بالسيطرة على عملية تأليف الكتب المدرسية وتحديداً اللغة العربية، المواد الاجتماعية من تاريخ وجغرافيا، وتدريجياً امتدت أيادى الجماعة إلى المواد العلمية ووضعت بصمتها عليها من خلال الحرص على فرض الفكر الأحادى على كل ما يرد ذكره من أمثلة وأسماء. أما مادة اللغة العربية فقد حولتها الجماعة إلى «مادة دين» صحيح أن النشء فى حاجة إلى تعلم لغة عربية سليمة، إلا أن الجماعة ورجالها حولوا مادة اللغة العربية إلى مادة دينية، فمادة النصوص وتحديداً المقرر حفظه منها به نسبة لا تقل عن الثلث آيات قرآنية، والقصص المقررة على الأطفال عادة هى قصة إسلامية غير مصرية. وهناك من اجتهد من داخل الجماعة فاختار مواد ونصوصاً تحط من قدر الآخر، ومن ثم كان مطلوباً من التلاميذ المسيحيين أن يحفظوا نصوصاً تتصادم مع عقائدهم، بل بعضها يقول لهم «إن عقائدكم فاسدة»، على التلميذ المسيحى أن يقرأ ذلك ويحفظه ثم يردده أمام المدرس والزملاء ويكتبه فى الامتحان. وسارت الجماعة أكثر عبر التواطؤ على إسقاط الحقبة القبطية من مناهج التدريس، فيدرس الطالب الاحتلال الرومانى لمصر قبل الميلاد ثم ينتقل إلى القرن السابع الميلادى مباشرة، ليقفز فوق الحقبة القبطية التى امتدت لخمسة قرون على الأقل وكانت مصر تدين خلالها بالمسيحية. وإمعاناً فى الضغط على المصريين الأقباط كان هناك على الدوام فى وزارة التربية والتعليم بل والتعليم العالى من يقرر كل عام إجراء امتحانات نصف العام فى اليوم الأول من السنة الجديدة فلا يحتفل التلاميذ المسيحيون برأس السنة الميلادية.
حان الوقت لمراجعة مناهج التعليم التى يجرى تدريسها وتحديداً فى مادة اللغة العربية والمواد الاجتماعية وتنقية كل ما بها من تجريح فى عقائد الآخرين وإساءة لمعتقداتهم، واستبدالها بمواد تكرس قيمة التنوع والتعدد والمساواة بين البشر ومبدأ المواطنة، ولا بد من حسن اختيار القصص التى يتم تدريسها بحيث تزرع فى نفوس الأجيال الجديدة قيم العمل، والوفاء، والمواطنة، وتعمل على حفز قيمة التفكير الجدلى لا الحفظ والتلقين، إذا أردنا تغييراً حقيقياً فلنبدأ بالتعليم، ومراجعة مناهجه، وتحديثها، وتطويرها وزرع مبادئ التفكير العلمى الخلاق بعيداً عن النمطية والحفظ والتلقين. وإذا ما بدأنا العمل لا بد أن ندرك أنه سيكون أمامنا ما بين عقد وعقدين على الأقل حتى نخرج أجيالاً تؤمن بقيم المواطنة والعدل والحرية والمساواة. يحدونا الأمل فى أن يبدأ المجلس القومى الأعلى لمكافحة الإرهاب والتطرف مهامه بمراجعة مناهج التعليم.

No comments:

Post a Comment