Translate

Friday, April 21, 2017

رامى جلال - الانقراض السادس للإعلام المصرى - جريدة الوطن - 21/4/2017

مر كوكب الأرض بخمسة انقراضات كبرى، لأسباب متباينة، فى خمسة عصور جيولوجية مختلفة، كل منها أنهى جزءاً من الحياة، وكان ثالث الانقراضات هو الأعنف والأشرس وسمى «الموت العظيم»، وقضى على أكثر من 95% من أشكال الحياة على الأرض، وكاد أن يُحول كوكبنا إلى كوكب «زهرة» آخر، كرة قاحلة شديدة السخونة.. الإعلام المرئى المصرى مر بمراحل انقراض خمس أيضاً!
منذ انطلاق التليفزيون المصرى ولمدة جيل كامل (33 عاماً)، كانت له السيادة الكاملة والريادة المطلقة، على الشرق الأوسط بالكامل.. قام التليفزيون على أكتاف عظماء الإذاعة.. وكانت أسماء برامجه تتحدث عن نفسها: «فن وفكر»، «من صفحات التاريخ»، «الجديد فى العلم»، «العالم يُغنى»، «مجلة المرأة»، «سينما الأطفال»، «الكاميرا فى الملعب».. وأظن أن برنامج «أقوال الصحف» للرائع «حمدى قنديل» كان هو بذرة برامج «التوك شو» الحديثة.
ظهر المبدع «طارق حبيب» الذى قدم مجموعة برامج مميزة مثل «أهلا وسهلاً»، و«من الألف إلى الياء»، و«اتنين على الهواء»، و«أوتوجراف»، و«فلاش». وهى برامج يتم سرقة أفكارها حتى اليوم (مثل: شكل عيادات الأطباء ومرور الضيف على أقسامها، وسؤاله تبعاً لترتيب الحروف الأبجدية، ورسم الكاريكاتير على الهوا، وغيرها).
أما المذيعات فكن مميزات، مثل: «سلوى حجازى»، «أمانى ناشد»، «همت مصطفى»، «ليلى رستم»، «فريدة الزمر»، «فريال صالح»، «سلمى الشماع»، «نجوى إبراهيم»، «أحلام شلبى».
كما تم إنتاج المسرح عبر «مسرح التليفزيون» الذى تشكل من عشر فرق فى أربع شعب هى: «المسرح الحديث» و«المسرح العالمى»، و«المسرح الكوميدى»، و«مسرح الحكيم».
انقرض كل ما سبق أوائل التسعينات، حين اهتمت الدولة بكم القنوات على حساب الجودة، وأصبحت السيادة والريادة مجرد جملة يرددها وزير الإعلام آنذاك.. وفى الوقت ذاته خرجت للوجود شبكة «إيه آر تى» (على يد عمدة الصناعة «أسامة الشيخ»)، وكانت تحدياً لم تتمكن مصر من مجابهته، وظهر الشكل الحديث للتوك شو على يد «هالة سرحان» بمعاونة صحفيين مميزين مثل «وائل الإبراشى» و«محمد هانى». وأصبحت جرعة الإثارة أكبر من أن يتركها المشاهد ليتابع قنوات التليفزيون البائسة. فضلاً عن ظهور قناة «الجزيرة» الإخبارية.
جاء الانقراض الثانى بحلول الألفية الجديدة، حيث انطلقت القنوات الخاصة وفى مطلعها «دريم» (على يد «أسامة الشيخ» أيضاً). والمفارقة هنا أن بطلى المرحلة كان أولهما «حمدى قنديل» نفسه ببرنامجه «رئيس التحرير» على «التليفزيون المصرى» ثم على «دريم». وثانيهما «محمود سعد»، النسخة الأحدث من «طارق حبيب».
حدث الانقراض الثالث والأخطر مع ثورة يناير وأصبح عدد الشاشات بالمئات، وهو إغراق أفسد الصناعة تماماً، وسمعنا عن مذيعين ضعفاء يتقاضون ملايين الجنيهات فى مقابل رفع صوتهم وخفضه والخلط بين المذيع والزعيم والمونولوجيست! أما الانقراض الرابع فجاء بعد ثورة يونيو حيث تم التخلص من عدد من «الرؤوس» التى شكلت المرحلة السابقة ليبدأ الآخرون فى الانتباه.
الانقراض الخامس يحدث الآن وسيأخذ بعض الوقت، وذلك عبر إغلاق القنوات الصغيرة، مع دخول أخرى فى تكتلات معاً، علاوة على إطلاق مجموعة قنوات كبرى بتقنيات متطورة ومحتوى عام أكثر اتزاناً لا يميل للخبر أو للسياسة فحسب.
يقول العلماء إن كوكب الأرض سيواجه يوماً ما موجة انقراض سادسة، وأزعم أن الإعلام كذلك سيتعرض لمثل هذه الموجه قريباً، وستتبدى ملامح العصر الجديد فى رفع سطوة الصحافة عن التليفزيون، وعودة «المُعد» (وليس الريجيسير «أبوأجندة» بأرقام تليفونات)، مع ظهور الفرق الإبداعية -من غير الصحفيين- والتى تبتكر فقرات مميزة، مع إلغاء المسميات الصحفية مثل رئيس التحرير ومدير التحرير.. فاستعدوا.

No comments:

Post a Comment