Translate

Sunday, April 2, 2017

سحر الجعارة - الابن الضال «أحمد الخطيب» - جريدة الوطن - 2/4/2017

نحن لسنا أصحاب القرار فى اختيار نوع المرض الذى يغتال فينا الحياة يوماً بعد يوم، وليس هناك مفاضلة بين «لوكيميا الدم» و«الليشمانيا»، فكلاهما إعدام بطىء.. وآلام مفزعة.. وتدهور سريع يحول الإنسان إلى شبح أو «خيال مآتة» تنهش الطيور الجارحة جسده دون رحمة.
لكننا أصحاب القرار فى أن نرتفع إلى مستوى إنسانى يعرف الرحمة، أو نهبط إلى أسفل قاع الانتقام، ونصبح مثل الحيوانات الجريحة نتلذذ بعقاب خصمنا.. ونتشفى فى صراخه والروح تنسحب من أعضائه تدريجياً.
أتحدث عن «أحمد الخطيب، الطالب بكلية البايوتكنولوجى بجامعة مصر، والمحكوم عليه بالسجن المشدد لمدة عشر سنوات، فى القضية رقم 6357 لسنة 2014 ج الشيخ زايد.
وبغض النظر عن محاولة «الإخوان» تحميل السجون المصرية مسئولية إصابة «أحمد» وتدهوره السريع، أو تفانى البعض لمواجهة ادعاءات الإخوان، وانتفاضة وسائل التواصل الاجتماعى لجمع توقيعات للإفراج الصحى عن «أحمد».. نحن أمام حالة إنسانية حتى لو كانت لسفاح أو قاتل محترف.
لا يمكن التكهن بكيفية إصابته بـ«الليشمانيا»، وبحسب تقرير الدكتورة «عزة أبوالعينين»، رئيس قسم الباثولوجيا الإكلينيكية، فإن طفيل «الليشمانيا» ينتقل عن طريق لدغ من حشرة «ذبابة الرمل».. أما حالته الآن -طبقاً لنفس التقرير- فإنه يعانى من تضخم فى الطحال والكبد مع فقدان فى الوزن ونقص فى كل مكونات الدم.
لا يهم -هنا- إن كانت الذبابة قد لدغته فى سجون مصر، أم أثناء وجوده فى سوريا للتدريب، أو حتى فى كهوف «أفغانستان».. المهم أن الشاب على مشارف الموت، ولم تعد المطالبة بـ«العفو الصحى» للعلاج فى وسط أسرته بقدر ما أصبحت لمقابلة ملك الموت برفقتهم!.
لا أحد يشكك فى إدانة «أحمد»، التى حسمها القضاء بالحكم عليه بالسجن المشدد عشر سنوات، ولا أحد يطعن فى قيام تنظيم «الإخوان» الإرهابى بتجنيد الشباب فى صفوفهم، وتدريبهم عسكرياً، والدفع بهم للانتحار بحزام ناسف أو قنبلة لحصد أرواح الأبرياء ورجال الجيش والشرطة.. كلها قضايا محسومة.
ما أسأل عنه الآن: هل أصبحنا متعطشين للدماء مثل الإخوان، لا نتورع عن أكل «لحم الأسير»؟.. هذا ليس «كبد حمزة» ولسنا كفاراً، ولا آلهة.
«أحمد الخطيب» بالفعل على القائمة الثانية للعفو الرئاسى عن الشباب الصادر بحقهم أحكام نهائية، وهو يحتل رقم 292 بين 512 اسماً، كما أكد الدكتور «أسامة الغزالى حرب»، رئيس لجنة العفو الرئاسى.. فلماذا نصر أن يخرج جثمانه من السجن أو من مستشفى «حميات العباسية»؟.
«أحمد» مقبوض عليه فى عام 2014 أى إنه يتنقل من سجن إلى سجن قبل أن يبلغ سن الرشد، وهذا وحده كفيل بأن ننزع الغل والكراهية من ضلوعنا.. قبل أن نتحول إلى «مسخ» يحاكى «الإخوان» فى ردود أفعاله.
كلنا نعلم جيداً أحوال السجون فى مصر، التى لا توفر حياة آدمية لرجال الشرطة قبل المساجين، نعلم أنها أيضاً «كهوف» معتمة تنتشر فيها المخدرات والشذوذ الجنسى والإيدز.. و«حفلات الضرب» لإخضاع كل نزيل جديد.
نعلم أيضاً مستوى العلاج فى مستشفى السجن الذى يحرص على وضع الكلابشات بيد «النزيل» بدلاً من أن يعتبره مريضاً.. فى بلد يعتبر فيه الأحرار دخول مستشفيات الحكومة فى حد ذاته «عقوبة».
لكن أقصى ما تم إنجازه الآن هو عمل مسح شامل للتأكد من خلو السجن، الذى كان به «أحمد»، من «الليشمانيا»!.
لو كان القضاء قد حكم بالإعدام على «أحمد»، رغم حداثة سنه، لهان الأمر، لكن مرضه النادر وضعنا جميعاً فى مواجهة ضمائرنا.
سيادة الرئيس: أوقن أنكم -لو شئتم- تصفية رؤوس الإرهاب من «الإخوان»، ليلة 3 يوليو، لكانت مهمة سهلة، قبل الاعتصامات المسلحة، والدفع بمزيد من شبابنا الضال لمحرقة الإرهاب.. وأعلم أن المؤامرة مستمرة.
لكن هذا الشاب يحمل «الجنسية المصرية»، وكان ينفذ عقوبة السجن ليعود إلى المجتمع كفرد نافع ومنتج.. الآن، لم يعد لديه ما يقدمه، (خيراً أو شراً)، خلف القضبان أو خارجها سوى أنفاس معدودة.. نعم هو «ابن ضال» جرّفته دوامات التطرف والإرهاب.. لكنه ينتظر «العفو».. ولا أغالى إن قلت إن «العفو الصحى» هو «حق» لكل من يعيش أسيراً لمرضه.
نحن لا نوقع الإعدام على نصف ميت.. لأننا ندرك أن «الرحمة فوق العدل».. و«أحمد» ينتظر رحمة السماء.. فليأت العفو سريعاً.

No comments:

Post a Comment