Translate

Saturday, January 21, 2017

خالد منتصر - الأوراق لم تحترق ولكنها الأفكار -جريدة الوطن - 21/1/2017

استرعى انتباهى تصريح مدير المتحف الإسلامى بأن أكثر ما لفت نظر الرئيس هو أن المصحف الأثرى لم يُصب بأى أضرار يوم الانفجار!!، وبغضّ النظر عن هل الرئيس هو الذى التفت أم أن مدير المتحف هو الذى لفت نظره، فالقصة تظل فى دائرة التفكير بالتمنى التى يتبناها المجتمع المصرى كله من القمة إلى القاع، التصريح يريد أن ينقل إلينا أن الأمر معجزة ويُكرّر حكايات المنازل نفسها التى تحترق عن آخرها، ما عدا المصاحف والحشرات التى تلتهم الأوراق ما عدا الكتب المقدسة.. إلخ، وللأسف كلها حكايات وقصص لا تصمد لأى مناقشة علمية، فالله جل جلاله يحافظ على الأفكار، وتهمه المبادئ والقيم التى بثّها فى كتابه المقدس، وأوحى بها إلى نبيه، لكن الأوراق التى دونت عليها تلك الأفكار والتعاليم والمبادئ والقيم ما هى إلا مادة «سيلولوز» قابلة للحرق والتمزيق، مثلها مثل المادة الموجودة فى أى كتاب آخر، سواء كتاب فن أو رياضة أو هندسة.. إلخ!!، لكن بما أننا مجتمع شكلى يعشق الطقوس، الدين لديه دروشة لا ضمير، والإيمان صفقة تُحسب بالآلة الحاسبة فمن يقل سبحان الله والله أكبر ألف مرة سيدخل الجنة بالمسبحة و«الكالكيليتور»!!، ما دمنا هكذا، فسنهتف بالتكبير عندما ينقلون إلينا مثل تلك الأخبار حتى نُضمد جراحنا النفسية نتيجة تفوق الغرب علينا، بل تفوق الصين واليابان وكوريا الذين لا يملكون أى مصحف أو إنجيل أو توراة!!، لماذا لم يشرح مدير المتحف؟ ولماذا لم يتطوع وزير الثقافة أو أى شخص من الوفد المرافق بتبرير السبب علمياً، وهو أن انفجار مديرية الأمن المجاورة أحدث اهتزازات ارتدادية فى المتحف، هذه الهزات من توابع الانفجار تكسر الزجاج وتُحطم الفخار.. إلخ، لكنها لا تحرق الأوراق، ولا يشير هذا إلى أى نوع من المعجزات على الإطلاق ولا يشير إلى أى قدسية!!، وإلا فما السبب فى أن إبريق مروان بن محمد ما زال محتفظاً بكامل هيئته إلى جوار المصحف؟، الإجابة ببساطة لأنه إبريق نحاسى تحمّل الهزة والانفجار، والسؤال البسيط العقلانى الذى أطرحه، هل لم يتم تمزيق أو حريق لأى مصحف على مر التاريخ حتى نخرج بنتيجة عامة وحقيقة علمية صريحة بأن المصحف أو أى كتاب مقدس لأى دين سماوى أو أرضى هو مستعصٍ وغير قابل للمزق أو الحرق وأن من سيفعلها سيموت فى حينها؟!، الإجابة التى لن تعجب الكثيرين أن هذا لم يحدث، لأننى كما ذكرت فى البداية أن الأفكار هى المهمة للحفاظ عليها وليس الأوراق، وحكايات التمزيق والحريق كثيرة ومتعددة فى التاريخ الإسلامى، منها ما كان حسن النية ونعرفه جميعاً وهو حرق المصاحف فى زمن ذى النورين عثمان بن عفان حتى نحتفظ بمصحف واحد، وهو الذى فى أيدينا الآن، هل ما تم حرقه لم يضم كلام الله، ولهذا كان قابلاً للحرق؟!، ولنتذكر أن هناك من الصحابة من كان رافضاً لهذا الأمر من أمير المؤمنين مثل «ابن مسعود»، وهناك التمزيق للمصحف عن سوء نية، مثلما فعل «الوليد» فى القصة الشهيرة، فقد ذكر أن الوليد بن يزيد فتح يوماً المصحف فخرج له قوله تعالى: «واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد» فمزق المصحف وجعل يقول:
أتوعد كل جبار عنيد، فهأنذا جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم الحشر، فقل يا رب مزقنى الوليد!!
لم يصرخ الوليد العربيد وهو يمزق المصحف بالسهام «شلت يدى» مثلاً!!، ومن الخلفاء والحكام على مر التاريخ من كان يُقبّل المصحف ويضعه فى علبة مذهبة ثم يخالف كل مضمونه وتعاليمه من وجوب العدل والرحمة والتسامح، ويسرق بيت المال وينشر الظلم ويمارس هو وبطانته أبشع أنواع الفساد!!.
يا سادة، نحن حافظنا على الورق، لكننا أحرقنا الفكرة.

No comments:

Post a Comment