Translate

Saturday, January 14, 2017

العالمة التى ماتت بما اكتشفت! بقلم د. وسيم السيسى ١٤/ ١/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

قال عنها ألبرت أينشتاين: إنها الوحيدة التى لم تفسدها الشهرة! كانت تقول لزوجها: لا تأتنى بثوب غالى الثمن، أريد ثوباً أستطيع أن أدخل به إلى المعمل!
كانت لا يعنيها أن تسير فى الشارع مهلهلة الثياب، ذلك لأن إيمانها بالطبيعة والإنسان، وما احتواه عقل هذا الإنسان من فهم وإدراك وأسرار جعلها تحتقر كل ما يهتم به الناس، وأحست أنها غنية بما فى عقلها وقلبها، أغنى من هؤلاء النساء اللائى ينفقن الجهد ويهدرن المال حتى يبدون أمام الناس كالعرائس!
إنها مدام كورى التى أنقذت الملايين من المصابين بالسرطان، وماتت هى بإشعاعات الراديوم القاتلة، وما زالت ملابسها ملوثة بالإشعاع متحفظا عليها فى دولاب من رصاص. ولدت مدام كورى فى بولندا ١٨٦٧م، وكانت حياتها قاسية، بولندا ممزقة، حتى الجامعات لم يكن مسموحاً بدخولها للبنات، لحقت مارى بأختها برونيا فى باريس ١٨٩١م، التحقت بكلية العلوم بالسوربون، وحصلت على درجتين فى الفيزياء والرياضيات، وقابلت بيير كورى، فتزوجا وحملت اسمه.
اكتشفت مدام كورى مادة اليورانيوم، وكانت أول من وضع مسمى «النشاط الإشعاعى»، كما اكتشفت الراديوم، ومادة مشعة أخرى أطلقت عليها اسم: البولونيوم. حبا فى وطنها بولندا والتى كانت تؤمن أنه لن ينهض إلا بالتعليم، تعليم العلوم الطبيعية كالكيمياء، والفيزياء، إلى جانب العلوم الإنسانية كالآداب والفلسفة والشعر.
توفى بيير كورى فى حادث سيارة بباريس سنة ١٩٠٦، فحملت منار العلم من بعده وحدها، حصلت على جائزة نوبل الثانية ١٩١١، وكانت الأولى سنة ١٩٠٣ عن إنجازاتها العلمية، وأصبحت وحدات الإشعاع تسمى باسمها، فنقول هذا الورم السرطانى بالمثانة مثلاً يحتاج إلى ثلاثة آلاف وحدة كورى أو مللى كورى.
كانت طفولتها قاسية أشد ما تكون القسوة، ماتت أمها بالدرن وهى فى سن الثانية عشرة، كان والدها مدرسا للرياضيات ولكنه كان فقيراً، فكانت مارى «اسمها قبل الزواج» تعمل حتى تتعلم، حتى غادرت بولندا للدراسة الجامعية، تعلمت الاعتماد على نفسها، واكتسبت من الحرمان قوة، لذا قالها أحد التربوبين: أسوأ أنواع الحرمان لأطفالك أن تحرمهم من الحرمان نفسه! ولعل تجارب إيريك هولمز على الفئران التى عاشت على الوفرة، والفئران التى عاشت على الندرة والمعاناة فى الحصول على الطعام، وكيف أنه بعد سنة كانت المادة السمراء فى المخGREY MATTER وهى مادة الذكاء، كانت أكثر عند فئران الندرة عن فئران الوفرة، لذا قالوا: تجربة آلمتنى تجربة علمتنى، وإن الصعوبات ضرورة لبناء شخصية الإنسان.
يحدثنا الدكتور طه حسين عن سر التفوق والنبوغ يقول: إن سر العظمة والإبداع عند العلماء يكمن فى العقل، وسر القوة والتميز عند أصحاب المذاهب والرسالات يكمن فى القلب، وأما سر الخيبة والقلق والجزع عند القطيع الإنسانى الكبير، إنه لا يؤمن إلا بالجسد، يخاف عليه الشيخوخة والموت، حريص على ماذا يأكل وماذا يشرب، يتأنق ويتزين فى لباسه وربطة عنقه حتى فى شكل حذائه، ونادراً ما يتأنق فى عقله أو فى قلبه أو فى شعوره أو فى إحساسه.
وهكذا أيها الأصدقاء كم من النساء والرجال عاشوا وماتوا، ولم يهتز لهم فى الوجود نسم، نكرات إلى هذا العالم جاءت، ونكرات منه ذهبت، أما مدام كورى التى غادرت عالمنا ١٩٣٤، ما أشد ما اضطرب العالم لها فى حياتها، وما أشد ما اضطرب لها بعدها.

No comments:

Post a Comment