Translate

Tuesday, January 24, 2017

خالد منتصر - «لا لا لاند» وبعض الجنون كى ترى الألوان الجديدة - جريدة الوطن - 24/1/2017

«لا لا لاند» فيلم البساطة الآسرة والجنون الجميل، لكى تستمتع بهذا الفيلم لا بد أن تفك كل صواميل وفرامل الروح المتكلسة وتخلع الجاكيت الجبس وتقوم بتزييت المفاصل العاطفية المتخشّبة، استعداداً لماراثون الرقص، وتربط الأحزمة، استعداداً للإقلاع إلى أحراش الموسيقى الملونة، إنه الفيلم الذى تمنّيت أن أشاهده من الوضع واقفاً حتى يسهل التفاعل، وفى دار سينما دون سقف حتى أُحلق وأحلم بحرية، لو أمسكت بالآلة الحاسبة والورقة والقلم وطبّقت قواعد المنطق، لن تستطيع تبرير فيلم معاصر بنكهة الستينات، استخدام الهاتف المحمول مع ملابس جيمس دين وموضة مارلين مونرو، المضمون عن الحلم والشكل أيضاً يخضع لمنطق الحلم نفسه، البطل والبطلة يشتركان فى الحلم والإصرار على تحقيقه، سباستيان موسيقار محبط يعشق الجاز ومهووس بفلسفته وروحه، يحلم بناديه الخاص الذى يعزف فيه الجاز كما يريد، لكنه يضطر إلى العزف فى أماكن هو العازف فيها والمستمع أيضاً، يقابل ميا ممثلة تقدم القهوة فى أحد الكافيهات، تركت دراسة الجامعة وغادرت منزل أسرتها من أجل حلم التمثيل، تدخل امتحانات أداء واختبارات تمثيل بمعدل هستيرى، فى كل مرة تفشل، لكنها مصرة على تحقيق الحلم، الحياة تحتاج إلى الحالمين الحمقى أو الأغبياء، ولا بد من بعض الجنون لكى ترى الألوان الجديدة كما قالت فى الاختبار التمثيلى الوحيد الذى نجحت فيه، تولدت شرارة الحب بين الموسيقار والممثلة، كبر الحب أثناء مأساة الفشل، ومات الحب عندما تحقق النجاح!!، معادلة غريبة، لكنها للأسف تحدث وتتكرر، الفيلم منذ اللحظة الأولى تمجيد للتمرد، فالمشهد الافتتاحى إشارة مرور مملة يكسرها قائدو السيارات، ومنهم البطل والبطلة بالرقص والغناء فى استعراض مدهش سيظل حياً فى ذاكرة هوليوود إلى الأبد، المشهد التمثيلى الذى نجحت به «ميا» هو الذى ارتجلته أمام لجنة اختبار لم يكن أمامها نص مكتوب، تحدثت فيه عن عمتها الممثلة التى تمرّدت وقفزت فى نهر الثلج بباريس، مارست الجنون الذى نحتاجه أحياناً لكى نخرج من الروتين، ظلل الغناء والرقص والموسيقى بداية الحب ونهايته، انكسر الحب على درجات سلم النجاح، سباستيان يلف العالم مع فرقة الجاز كى يتحقق إنسانياً ويحقق حلمه الخاص، ميا تؤلف مسرحية وتمثلها «One woman show» فى مسرح بلا جمهور، ودون حضور حبيبها المنغمس فى جلسة تصوير فوتوغرافى!، وكما كان مشهد البداية سحرياً كان مشهد النهاية أكثر سحراً وخيالاً وجموحاً، تدخل ميا هى وزوجها بعد سنوات من انفصالها عن سباستيان إلى نادى الجاز الحلم الذى يملكه صاحب قصة حبهما المجهض، تتداخل المشاهد وتقفز أطياف الحلم، فتكسر المسافة بين الواقع والخيال، تشاهد شريط حياتهما المفترضة فى حال تحقق حلم الزواج والارتباط، الفيلم يمجّد حق الحلم، ويمنح وسام الشرف للفن الذى يُحقّق هذا الحلم، وهو فن السينما، ويؤكد أن مجتمعاً لا يُعطّر جسده ببارفان الرقص وعطر الحيوية هو مجرد جثث فى توابيت اسمها البيوت ومقابر اسمها مكاتب العمل.

No comments:

Post a Comment