Translate

Wednesday, January 11, 2017

د. عماد جاد - مواجهة التمييز فى مصر (٢) - جريدة الوطن - 11/1/2017

«السادات» هو المسئول الأول عن زرع ورعاية بذور التمييز فى مصر، أما «مبارك» فهو المسئول عن الحفاظ على معادلة «السادات» فى استمرار التوتر الدينى والطائفى فى البلاد وتوظيفه سياسياً، وهى المعادلة التى أشرف عليها فى العقد الأخير من حكم «مبارك» وزير داخليته حبيب العادلى، وأثمرت ثماراً مُرّة تمثلت فى عمليات قتل لأقباط، والاعتداء على كنائس، والأخطر من كل ذلك إشاعة أجواء الكراهية الدينية والطائفية فى البلاد على نحو طال جميع فئات المجتمع المصرى وضرب مرتكزات كانت مستقرة للتعايش بين المصريين. وكان العام الأخير من حكم «مبارك» الأكثر دموية، والأعلى احتقاناً منذ عام «السادات» الأخير فى الحكم (١٩٨١)، ففى أوائل عام «مبارك» الأخير وقعت جريمة نجع حمادى، وفى نهايته وقع تفجير كنيسة القديسين، وفى المسافة بينهما كانت هناك جرائم طائفية كثيرة، مثل جريمة قطار سمالوط وأحداث العمرانية.
تفجّرت ثورة الخامس والعشرين من يناير وأخذت معها أجواء الالتهاب الطائفى وأشاعت حالة من التوافق الوطنى التى لم تشهدها البلاد منذ حرب أكتوبر، صحيح أن مراكز فى الدولة تعاونت مع الجماعات الإرهابية لقتل هذه الروح الوليدة عبر سلسلة من الاعتداءات على الأقباط والكنائس ومحاولة إشاعة أجواء التشدد الدينى، وهو ما تكرس بفوز «مرسى» بمنصب الرئيس، إلا أن الصحيح أيضاً أن ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣، جاءت لتطيح بكل المؤامرات على وحدة مصر وتماسكها الوطنى، ففى أحداث ثورة الثلاثين من يونيو تجلى التوافق الوطنى وبرزت الوحدة الوطنية فى أسمى معانيها. وفى الوقت نفسه خلعت جماعة الإخوان ثوب الاعتدال، وكشفت عن وجهها الحقيقى، باعتبارها الجماعة الأم لكل الشرور، فكانت الحرب المعلنة على مصر والمصريين، الحرب على جيش مصر فى سيناء، الاعتداءات على المصريين والتركيز على استهداف الأقباط تحديداً لدرجة متدنية للغاية على النحو الخسيس الذى شهدناه فى جريمة قتل طفلة عمرها من عمر الزهور بعد خروجها من الكنيسة الإنجيلية بعين شمس، حيث تلقت رصاصة فى الصدر، وأيضاً الاعتداءات التى تعرّضت لها كنائس فى المنيا وأسيوط، واستهداف مواطنين مصريين أقباط، كل هذه الجرائم لن تُفلح فى تغيير الواقع الجديد فى مصر، الذى بدا أنه يتجه نحو مرحلة جديدة من التوافق الوطنى المصحوب بتراجع الاحتقان الدينى والطائفى على المستوى الاجتماعى، فالشعب المصرى يمر بمرحلة تعافٍ من داء الطائفية والتعصب، والجماعة ورفاقها يبذلون الجهود لوقف التعافى وجر المجتمع إلى مستنقع الطائفية والتعصب من جديد، وهو ما نثق بأنهم لن ينجحوا فيه، المهم هنا هو تعافى أجهزة الدولة ومؤسساتها من الآثار الجانبية لفيروس الطائفية وزيادة فاعليتها فى التصدى للجرائم البغيضة التى تقع بحق الأقباط، والتى ينبغى كشفها للرأى العام المصرى وتبنى حملة وطنية للتصدى لهذه الجرائم والبدء فى وضع خطة متكاملة لإبراء مصر من داء الطائفية والتعصب الدينى، الذى أحسب أن الخطوة الأولى فيه تتمثل فى إصدار قانون لإنشاء وتأسيس مفوضية مواجهة التمييز بصفة عامة والدينى بصفة خاصة وتطبيقه بكل حزم، ففى هذه المرحلة لا بد من استخدام القانون لمكافحة التمييز والتعصّب والاعتداءات الطائفية، وفى مرحلة لاحقة تستقر قيم المواطنة والمساواة وعدم التمييز فى ضمير ووجدان المصريين وتعود كما كانت جزءاً من ثقافة المصريين.

No comments:

Post a Comment