Translate

Monday, January 23, 2017

د. عماد جاد - أيـن الخلل؟ - جريدة الوطن - 23/1/2017

نظرة سريعة على خريطة توزيع نظم الحكم الديمقراطية فى العالم تقول لك إن المنطقة العربية تكاد تكون الاستثناء الوحيد من الديمقراطية، فالديمقراطية انتشرت فى دول كانت حتى عقود قليلة ماضية توصف بأنها سلطوية، استبدادية أو فاشية، انتشرت الديمقراطية فى الشطر الأوسط والشرقى من القارة الأوروبية بعد سقوط النظم الشيوعية، واجتاحت الديمقراطية أيضاً دول أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى بعد أن كانت ترزح لسنوات طويلة تحت حكم ديكتاتورى عسكرى أو سلطوى مدنى، ثم بدأت الديمقراطية تنتشر فى ربوع آسيا، وأخيراً زحفت الديمقراطية على القارة السمراء ووصلت إلى دول ودويلات تقوم على نظم قبلية قاسية تفصلها عن المدنية الحديثة عقود وعقود من السنين. الملاحظ أن الديمقراطية لم تستقر فى العالم العربى لا شطره الآسيوى ولا جناحه الأفريقى فكل منهما مثل استثناء من ظاهرة انتشار الديمقراطية، وبينما تخندقت دول كالسعودية وراء الخصوصية الثقافية والذاتية، اكتفت نظم أخرى، لاسيما الجمهوريات الرئاسية، بقشور الديمقراطية حيث اعتبرت وجود المؤسسات كافياً للادعاء بوجود الديمقراطية، اختزلت الديمقراطية فى مجموعة من الإجراءات والطقوس منها إجراء انتخابات تشريعية لاختيار أعضاء البرلمان، وهى انتخابات شكلية يجرى تحديد الحصص والمخصصات من قبل أن تجرى ومن ثم لا تعدو الانتخابات أن تكون مجرد إجراء شكلى، كذلك الحال بالنسبة للاستفتاءات على منصب الرئيس والتى تحولت مع الموجة قبل الأخيرة التى وصلت المنطقة أوائل القرن الحادى والعشرين إلى انتخابات تعددية شكلية.
من بين ٢٢ دولة عربية تتوزع على قارتى آسيا وأفريقيا لا توجد دولة واحدة يمكن وصف نظامها بأنه ديمقراطى حقيقى، فالنظم القائمة فى هذه الدول لا يمكن وصفها بالديمقراطية، بعضها لا يعنيه الوصف ومن ثم يرفض الديمقراطية ويعتبرها بدعة وضلالة غربية لا تتوافق وحضارة وثقافة الأمة، وبعضها الآخر يأخذ بقشور الديمقراطية والإجراءات الشكلية فقط. لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تقاوم انتشار قيمة الديمقراطية ومعها قيم مصاحبة لا مجال لرسوخ الديمقراطية دونها كالمساواة والحرية والعدل، لا توجد منطقة فى العالم كمنطقتنا تتحايل على الديمقراطية عبر ادعاء الخصوصية والذاتية، قليلة هى دول العالم خارج المنطقة العربية التى يمكن وصفها بأنها دول غير ديمقراطية، فالديمقراطية استقرت فى أمريكا اللاتينية بشطريها الأوسط والجنوبى، واجتاحت قارة آسيا ثم بدأت تنتشر فى القارة الأفريقية، لكنها لم تجد موطئ قدم فى البلدان العربية فى آسيا وأفريقيا، الدول الآسيوية غير العربية والتى كانت ترزح تحت حكم عسكرى وتلك التى كانت تحكم بنظم شمولية وسلطوية تغيرت وباتت ديمقراطية وحققت تقدماً كبيراً على طريق التنمية السياسية والاقتصادية وبعضها غادر العالم الثالث بتخلفه وفقره ودخل العالم الثانى ومنها من بدأ يغادر العالم الثانى فى طريقه إلى العالم الأول مثل كوريا الجنوبية، تحقق الأمر نفسه فى أفريقيا لكن جنوب الصحراء وباتت الدول والدويلات القبلية المتخلفة دولاً ديمقراطية حقيقية، بل إن جنوب أفريقيا نفضت عن نفسها غبار العنصرية بسقوط نظام الفصل العنصرى وشقت طريقاً باتجاه نظام ديمقراطى حقيقى قفز بها مراحل عديدة على مقياس التنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وباتت جنوب أفريقيا من الدول الديمقراطية المتطورة اقتصادياً والتى غادرت العالم الثالث إلى الثانى ومرشحة لدخول العالم الأول بقوة، ويكفى أن العالم عندما بحث عن دول تحصل على عضوية دائمة فى مجلس الأمن الدولى أسوة بالدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية، توقف عند جنوب أفريقيا ممثلة للقارة السمراء وعند البرازيل والأرجنتين عن أمريكا الجنوبية والهند عن القارة الآسيوية، ولا مجال لذكر دولة عربية واحدة فجميع الدول العربية استراحت فى مصاف دول العالم الثالث واستقرت هناك وغير مرشحة لمفارقته لفترة زمنية طويلة مقبلة، بل إن دولاً منها دخلت مرحلة الدولة الفاشلة (الصومال نموذجاً) وهناك دول أخرى قريبة من التعثر ويمكن أن تنزلق إلى مرتبة الدول الفاشلة. السؤال هنا: «لماذا كل ذلك ولماذا بات العالم العربى استثناءً من التنمية الشاملة وفى مقدمتها السياسية التى تعنى إرساء أسس الديمقراطية؟»، إنها الثقافة المعادية لقيم الحرية والمساواة والديمقراطية والتى تجرح قيم حقوق الإنسان.

No comments:

Post a Comment