Translate

Tuesday, January 17, 2017

د. عماد جاد - نموذج مصرى «فريد» - جريدة الوطن - 17/1/2017

قدمت مصر طوال تاريخها، لاسيما فى مراحل الصعود والنمو، نماذج «فريدة» فى شتى المجالات، نماذج أدت أداءً مبهراً، وتركت بصماتها الواضحة إلى الأماكن التى مرت بها أو المجالات التى عملت فيها، نماذج نشأت وترعرعت فى مصر أو سافرت إلى الخارج لاستكمال المسيرة فتركت بصماتها على الصعيد الدولى، نماذج يصعب حصرها فى مجال العلوم الطبيعية أمثال زويل، مجدى يعقوب، فاروق الباز، هانى عازر، وأيضاً فى مجال العلوم الاجتماعية أمثال طه حسين، نجيب محفوظ، لويس عوض، ويوسف إدريس وغيرهم. لم تصب مصر بالعقم طوال تاريخها، الفارق يكمن فى المجال ما إذا كان ليبرالياً ويسمح بالإبداع أم خانقاً يقتل الأجنة، وفى كل زمان وكل مرحلة قدمت مصر المبدعين حتى فى مجال الفن الذى كان يعبر عن واقع الحال وطموحات المصريين بطرق مباشرة وغير مباشرة.
من بين النماذج المصرية الفريدة التى نتمنى أن تأخذ مكانها عند التأريخ للحقبة المعاصرة، تلك القامة الوطنية المصرية، المستشار عدلى منصور، هو مواطن مصرى شجاع، مثقف من الطراز الرفيع، رجل دولة قبل بتحمل مسئولية رئاسة البلاد فى لحظة حرجة للغاية، تقلد المنصب فى الثالث من يوليو ٢٠١٣ على أثر عزل محمد مرسى، وتقلد المنصب بحكم موقعه الوظيفى كرئيس للمحكمة الدستورية العليا، لم يكن قد حلف اليمين كرئيس للمحكمة، وعندما جاء بيان الثالث من يوليو معلناً عزل مرسى وبدء مرحلة انتقالية جديدة، قبل الرجل تحمل المسئولية فى وقت كانت تمر فيه البلاد باضطرابات شديدة، كان العنف داخل البلاد والإرهاب يدق أبوابها من الخارج، من الغرب ومن الشمال الشرقى والجنوب أيضاً، وكانت واشنطن والعواصم الغربية تعتبر ما جرى فى الثالث من يوليو انقلاباً عسكرياً، وظهرت دعوات تطالب بمحاكمة قيادات الثالث من يوليو من عسكرية ومدنية.
قبل المستشار عدلى منصور منصب الرئيس المؤقت، وقدم صورة مشرقة لرئيس مقبل من قلب مؤسسات الدولة المصرية، بدأ مهمته بدعوة كل القوى والتيارات السياسية من أجل بدء مرحلة جديدة من المصالحة الوطنية، لم يحضر الإخوان ولا السلفيون، لم يهتز الرجل ولم يتراجع فى موقفه، بل واصل العمل فى ظروف غاية فى الصعوبة، تحمل ما عجز ساسة عن تحمله، ثبت على موقفه ولم يتراجع فى وقت هرب فيه الكثيرون من رجال الأحزاب، وهنوا واهتزوا بشدة. قدم نموذجاً للجرأة والشجاعة لاسيما فى ظل القرارات الصعبة التى اتخذتها الحكومة بالتصدى لمحاولات الجماعة اقتحام الحرس الجمهورى، كما قدم النموذج والقدوة على رباطة الجأش والحنكة عندما قررت الحكومة فض اعتصامى رابعة والنهضة، قفز نائب الرئيس الدكتور محمد البرادعى من المركب هرباً وفزعاً متوقعاً بدء حملة دولية على مصر، وكان من رجال الحكومة من يستعد للقفز فزعاً أيضاً واضطر إلى الترويج لفكرة المصالحة وتقديم مشروع للتصالح من الجماعة كنوع من الدفاع المسبق عن النفس.
لم تهتز أقدام الرئيس عدلى منصور ولم يتزعزع موقفه، بل ظل صامداً قوياً، وقدم صورة ناصعة البياض لمصر عندما شارك فى قمة الجامعة العربية بالكويت فى مارس ٢٠١٤، كان كبيراً فى مواجهة تصرفات صغيرة من أمير قطر الشاب، رد عليه بكل ثقة وهدوء وأعطاه درساً قى الأخلاق والدبلوماسية.
شارك فى اختيار خلفه، وكان أول رئيس مصرى فى التاريخ يذهب إلى صناديق الانتخاب كى يختار خلفه بمحض إرادته، وعندما حان موعد تسليم السلطة كان عظيماً وشامخاً، وكان حدث التسليم والتسلم نموذجياً فى كل جوانبه، ثم عاد الرجل إلى موقعه رئيساً للمحكمة الدستورية العليا بعد أن أعاد لمنصب الرئيس هيبته وما يستحق من وقار.
أنهى الرجل مدة رئاسته للمحكمة الدستورية العليا وعاد مواطناً مصرياً صالحاً.. فتحية من القلب لهذه القامة المصرية الرفيعة.

No comments:

Post a Comment