Translate

Wednesday, January 18, 2017

د. عماد جاد - تبعات تجاوز التفويض - جريدة الوطن - 18/1/2017


بصدور حكم المحكمة الإدارية العليا ببطلان توقيع اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية والتى جرى توقيعها قبل نحو ثمانية شهور من قبَل رئيس الوزراء شريف إسماعيل وولى ولى العهد السعودى محمد بن سلمان، يُسدل الستار على هذه القضية التى أثارت المجتمع المصرى طوال الفترة الماضية، وقد جاء الحكم بإجماع الآراء مشدداً على أن الحكومة لم تقدم أية وثائق تؤكد أن جزيرتَى تيران وصنافير سعوديتان، وقال إن السيادة المصرية على الجزيرتين مقطوع بها، وأضاف أن الجيش المصرى لم يكن فى يوم من الأيام جيش احتلال. وبصدور هذا الحكم يُلغى توقيع رئيس الوزراء على الاتفاقية التى أصبحت هى والعدم سواء.
فى الوقت الذى أثار فيه الحكم ارتياحاً شعبياً لدى غالبية المصريين فإن هناك من بين الإعلاميين والسياسيين والبرلمانيين من استقبل الحكم بحزن وغم وخرج ليقول إنها جولة وتتبقى جولات أخرى، فمنهم من تحدّث عن ضرورة لجوء الحكومة إلى المحكمة الدستورية العليا، وهناك من قال إن مجلس النواب سوف يناقش الاتفاقية ويصوت عليها لأنه صاحب الاختصاص الأصيل، وهو كذلك بالفعل، والسؤال هنا: لماذا تم تجاهل صاحب الاختصاص الأصيل لمدة ثمانية شهور؟ ولماذا قبلت الحكومة مواصلة المسار القضائى أمام القضاء الإدارى؟ إذا كانت الحكومة جادة فى التعامل مع قضايا الأرض والسيادة، وجب عليها تحويل الاتفاقية بعد التوقيع عليها مباشرة إلى مجلس النواب كى يبت فبها بالقبول أو الرفض والنظر فى الدعوة لاستفتاء شعبى عليها، وهو ما لم يحدث، فقد احتفظت الحكومة بالاتفاقية لديها قرابة ثلثى العام، واستبقت بت المحكمة العليا للقضاء الإدارى فى الطعن الذى تقدمت به على إبطال محكمة القضاء الإدارى الاتفاقية، بإحالتها إلى مجلس النواب، وهو أمر عجيب، والإصرار على دفع المجلس لمناقشة الاتفاقية سيقود إلى صراعات وانقسامات وشروخ يصعب علاجها، اكتفوا بما جرى ولا تدفعوا مؤسسات الدولة للانقسام والصراع.
فى تقديرى أن حكم المحكمة الإدارية العليا بات وقاطع فى إسدال الستار على هذه القضية، وعلى الحكومة التوقف عن محاولاتها المستميتة لنقل تبعية تيران وصنافير للسعودية، فقد فشلت فى ذلك فشلاً ذريعاً، ولو كان لدى هذه الحكومة حس سياسى أو إحساس إنسانى لبادرت بتقديم استقالتها فور صدور الحكم، فكومتنا الحالية غريبة للغاية، تجتهد وتحشد رجالها فى الإعلام والسياسة كى يقولوا بعدم مصرية جزء من أرض الوطن، وهو مشهد لم يحدث على مدار التاريخ، أن تجد حكومة تلف وتدور وتناور للتنازل عن جزء من أرض الوطن لبلد آخر، والقضاء يُبطل توقيع رئيسها ويقول: الأرض مصرية والاتفاقية هى والعدم سواء، ورغم ذلك تخرج أبواق الحكومة فى الإعلام والسياسة لتقول للمصريين: لا تفرحوا ولا تسعدوا بحكم المحكمة الإدارية العليا التى قالت بمصرية الجزيرتين، فأمامنا جولات أخرى كى نثبت عدم مصرية هاتين الجزيرتين!!!
وهنا نقول: كافة المسئولين فى الدولة هم موظفون عموميون صدر لهم تكليف شعبى أو تكليف من المكلف، ويشغلون وظائف عامة مهما ارتفع موقعها، لا يمكنهم تجاوز التكليف الشعبى بالإدارة، وإن عدم احترام حدود التفويض المحدد فى الدستور يضعهم أمام المحاسبة وفق الدستور وحدود التفويض، هم مفوضون من قبَل الشعب، يستمر تفويضهم طوال المدة المحددة دستورياً وقانونياً، فإذا أجادوا واحترموا الدستور والقانون يواصلون العمل، وقد يجدد لهم الشعب التفويض أو يعيد المكلف تكليفهم، وإن هم خرقوا التفويض وتجاوزوا الدستور والقانون فالحساب فى انتظارهم وأولى خطواته سحب التكليف، وقد يصل للمحاسبة بمختلف درجاتها. انتهى زمن أنصاف الآلهة كما قال الرمز الوطنى الرئيس السابق المستشار عدلى منصور.

No comments:

Post a Comment