Translate

Monday, January 2, 2017

د. عماد جاد - التجريف السياسى - جريدة الوطن - 3/1/2017

كشفت ثورة الخامس والعشرين من يناير عن حجم التجريف السياسى فى البلاد وجريمة مبارك ونظامه فى الحكم من خلال نخبة مغلقة، محدودة، وكيف قام نظام مبارك من خلال لجنة شئون الأحزاب التى كان يقودها الأمين العام للحزب الوطنى بتفصيل أحزاب سياسية من خلال جهاز أمن الدولة للقيام بدور المعارضة الشكلية. لم يفتح نظام مبارك النخبة السياسية للتجنيد من خارج الدائرة الضيقة التى كان يعتمد عليها، ولم يكن للأحزاب السياسية الكارتونية أى دور سوى تمثيل دور المعارضة، أما الأحزاب المعارضة الحقيقية والقوى السياسية التى حرمها نظام مبارك من تأسيس أحزاب سياسية فقد ظلت تمارس دور المعارضة الاحتجاجية وأحياناً كانت تبرم الصفقات مع النظام من خلال أجهزة الأمن للحصول على عدد من مقاعد البرلمان مثلما كانت تفعل جماعة الإخوان المسلمين.
بنى نظام مبارك صيغة محددة للتعامل مع القوى السياسية المختلفة تمثلت فى قتل كل القوى التى يمكن أن تمثل بديلاً مدنياً له، فقد منح شخصيات انتهازية حق تشكيل حزب سياسى للعب دور المعارضة، أما القوى التى كان لها قدر من التأييد فى الشارع فقد حرمها من الحصول على حزب سياسى وتركها تعمل من خلال حركات ومنظمات. كان نظام مبارك يعمل على البقاء فى الساحة منفرداً مع جماعة الإخوان فقط، حتى يخير المصريين بين نظامه وبين حكم المرشد والجماعة، كان كثيراً ما يلجأ إلى الصفقات مع الجماعة وكان يقدم لها جزءاً يسيراً من «الكعكة» وعندما تطمع فى المزيد كان يوجه لها الضربات الأمنية فقط كى تعود إلى رشدها وتلتزم بجوهر الاتفاقات التى كانت تتوصل إليها مع أجهزة الأمن. خلال فترة حكمه التى دامت ثلاثة عقود كاملة لم يفتح مبارك النخبة السياسية، حافظ عليها نخبة مغلقة، واعتمد على شخصيات لفترات زمنية طويلة حتى شاخت فى السلطة وشاخ معها النظام، هذه الشخصيات عمدت إلى قتل الصف الثانى حتى لا يجد النظام بديلاً لها، وحتى تبدو الفجوة كبيرة للغاية فى حال تغيير الشخصيات القيادية، بات قتل الصفوف الثانية سياسة مبرمجة فى النظام، فى الوزارات والمصالح الحكومية، فى المؤسسات العامة. النتيجة المنطقية لذلك كانت فقدان الأجيال التالية من السياسيين والمهنيين للخبرات اللازمة، وإذا تحدثنا عن السياسة فسوف نرصد بسهولة فقدان رجال المعارضة من مختلف الأعمار للخبرات السياسية اللازمة التى تجعل منهم رجال دولة، ويمثلون بدائل حقيقية لرجال النظام، تحول غالبية رجال المعارضة إلى رجال أعمال بشكل أو بآخر، منهم من تحول إلى سمسار عمل مع أجهزة النظام ومنهم من نسج روابط وصلات مع نظم خارجية ومنهم من أفاد صناعته الخاصة من خلال لعب دور المعارض، من هنا اتسمت المعارضة المصرية بأنها ظاهرة صوتية، لا خبرة سياسية لديها وعجزت عن ممارسة دور رجل الدولة بعد ٢٥ يناير، فقد اتسم سلوكها بالاضطراب والتخبط ولم تحترم الحدود الأيديولوجية مع القوى الأخرى فرأينا القومى واليسارى يتحالف مع اليمين الدينى، ورأينا من الليبراليين من دخل على خط التعامل مع الجماعة الإرهابية للحصول على مكاسب سياسية متصورة. وإذا نظرنا إلى حال الأحزاب والقوى المدنية اليوم وحالة التخبط التى تسود صفوفها وعدم قدرة البعض على تقديم مصلحة الوطن على مصالحه الخاصة فسوف نعرف كم هى ثقيلة جريمة مبارك ونظامه فى تجريف الحياة السياسية فى البلاد.

No comments:

Post a Comment