Translate

Friday, January 27, 2017

رامى جلال - والله العظيم جيفارا مات - جريدة الوطن - 27/1/2017

اذكروا محاسن ثوراتكم، تمر هذه الأيام الذكرى السنوية لثورة يناير الله يرحمها ويحسن إليها ويحيى أهدافها وهى رميم وهو على كل شىء قدير، بهذه المناسبة نتذكر قصة رجل أرجنتينى ثار فى كوبا وقاتل فى الكونغو ومات فى بوليفيا، هذا هو ملخص حياة الثائر الأسطورى «تشى جيفارا»، الرجل حرر كوبا ثم ترك مهمة بنائها لرفيقه «فيدل كاسترو» ليذهب محاولاً تحرير الكونغو عبر معاونة حركة «سيمبا» الشيوعية، ولكنه فشل لظروف موضوعية خارجة عن إرادته، بعدها عرض خدماته على جبهة التحرير الموزمبيقية التى رفضته، ثم ذهب مع خمسين رجلاً سماهم «جيش التحرير الوطنى لبوليفيا» ليحرر تلك البلاد وهناك قُبض عليه وأُعدم، جيفارا لم يشارك فى أى عملية بناء لكنه ثار طوال الوقت، وهو عمل قد يكون عظيماً لكنه مؤكد غير قابل للتكرار، لأنه والله العظيم جيفارا مات.
البعض فى مصر يتقمص دور جيفارا، لتتحول فكرة «المقاوم العالمى» العابر للحدود إلى مقاوم زمنى عابر للأنظمة، يثور ضد الجميع بمنطق وبدون منطق، يريد الإسقاط ولا يفكر فى البناء أو حتى الإصلاح، ويبدو أن عدداً كبيراً من النشطاء المصريين لا يريدون تصديق أن جيفارا مات، والأمر أكثر بساطة من ذلك، ليس مطلوباً من الثائر المصرى أن يظن أنه من كوبا أو أن يعمل نفسه من بنها، مطلوب منه فقط أن يتفهم أنه فى مصر التى لها ظروف موضوعية وأطر اقتصادية وسياسية واجتماعية معينة، الثورة فعل، والإفراط فى الفعل هو خطأ والتفريط فيه هو خطيئة، الوسطية هى الحل، وإن افترضنا أن الثورة هى الغوغائية فى الشوارع فالباعة الجائلون هم آباء الثورة الحقيقيون إذن!
جيفارا هو الذى قال إن «الحق الذى لا يستند إلى قوة تحميه باطل فى شرع السياسة»، ولكنه لم يذكر لنا شيئاً عن القوة التى لا تستند إلى حق، وحتماً ستتحول هذه القوة إلى بلطجة يبتعد عنها الناس، وإن كان الإلحاح الإعلامى المُغرض قد جعل من الثورة مؤامرة ومن الثوار خونة، فبعض هؤلاء أساءوا للثورة وتاجروا بها وتربحوا منها ولم يكونوا أبرياء طوال الوقت، هذا التشوه الفكرى الذى يحيط بنا، جعلنا نترحم على «آدم سميث» بعد ملاقاة بعض اليساريين، والاشتياق لرؤية «أبولهب» عند التعامل مع بعض الإسلاميين.
ثارت مصر كلها بقطاعاتها جميعها وفصائلها كافة، ونُسبت ثورتها للشباب، فى اختزال مخل، وهذا أمر قد يُقبل، لكن غير المقبول هو اختزال الشباب أنفسهم لقطاع الشباب المشارك فى مجموعات توصف بـ«أنقى شباب ثورى» وهو عادة من محبى الهتاف وشم الغاز المسيل للدموع.. الثورة كانت منطقية وليست فعلاً عبثياً.. واستمرار العبث هو عدم فهم أن من يمتنع عن المشاركة فى محاولات البناء لا يجب أن يسأل بعد ذلك عن نصيبه فى الأرباح أو يلوم الآخرين على تحقيق خسائر.
من المشاهد المأساوية أنه بعد إعدام جيفارا قام جلادوه بقطع يده لإرسالها للعاصمة الأرجنتينية للتأكد من شخصيته عبر البصمات، وهذه هى نهاية طريق المزايدين والمصابين بالكهرباء الزائدة فى المخ، حيث ستبتر أيديهم الفكرية ليكونوا عاجزين مرة أخرى عن مصافحة هذا الشعب الذى يرفض التطرف الفكرى فى أى اتجاه. وللأسف سينتبهون للأمر بمجرد خروجهم من مرحلة الشباب وإضاعتهم لفرصة تاريخية، منحصرين أكثر فأكثر فى جزيرة منعزلة، عاملين بمبدأ «من فيس بوك وإلى فيس بوك نعود».

No comments:

Post a Comment