Translate

Tuesday, January 24, 2017

د. عماد جاد - مهام رجل السياسة - جريدة الوطن - 25/1/2017

هناك مقولة مؤداها أن الاقتصاد أخطر من أن يُترك للاقتصاديين، وبنفس المنطق نقول إن قضايا الأمن أخطر من أن تترك لرجال الأمن، بل إن الحرب نفسها هى امتداد للسياسة بوسائل أخرى، فعندما تعجز السياسة عن الحل والتوفيق، تأتى الحرب للتأثير وتعود السياسة من جديد فى وضع تسويات وتفاهمات ما بعد الحرب. وفق هذه الرؤية فإن كلاًّ من الاقتصاد والأمن به مكون سياسى مهم، بل يقود كل منهما وفق خلطة متوازنة. فى نفس الوقت لا يمكن للسياسة أن تهيمن على اقتصاد وتقوده وتتحكم فيه، وكذلك الحال بالنسبة للأمن، المقصود هنا هو أن لكل مجال رجاله المتخصصين الذين يتولون مسئولية إدارة المجال الخاص بهم، وكل مجال من هذه المجالات يمثل مكوناً مهماً فى سياسة الحكومات، وعند صنع القرار من قبل رجال السياسة، فهذه المجموعة معاً هى التى تصنع القرارات، ورجل السياسة هو من يتخذ القرار، ويتحمل مسئولية ما يتخذ من قرارات، فعملية صنع القرار تتطلب مجموعة من مختلف التخصصات، وأجهزة الدولة تقدم ما لديها من معلومات وتقديرات (وتسمى فى صنع القرار المدخلات) وبناء على هذه المعلومات، وتلك التقديرات يتخذ السياسى القرار، ويفترض هنا أن يلاحظ رجال السياسة تأثيرات ذلك على رأى عام ويعمل من خلال أجهزة الأمن والاستخبارات ومراكز قياس الرأى العام على متابعة تأثيرات ما يتخذ من قرارات على الأصعدة المحلية والإقليمية والدولية، وبناء على هذه التقديرات يتمسك بقراراته إذ يقوم بتعديلها، وربما بإلغائها حسبما تقتضى مصلحة البلاد، فعلى سبيل المثال لو كان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر قد درس جيداً تبعات قرار إغلاق مضيق تيران فى وجه الملاحة الإسرائيلية فى مايو ١٩٦٧، ودرس بموضوعية قدراته العسكرية وقدرات العدو، وحقيقة مواقف الدول العربية بعيداً عن الشعارات الجوفاء، ما كان قد اتخذ القرار، وبنفس المنطق لو كان الزعيم الراحل قد درس جيداً الاستغاثة السورية من أن عدواناً إسرائيلياً وشيكاً سوف يقع عليها، ما اندفعت مصر باتجاه توتير الأجواء فى المنطقة على النحو الذى أعطى إسرائيل مبررات شكلية -واهية- لشن عدوان يونيو ١٩٦٧ وتصويره أمام العالم على أنه ضربة استباقية، أى دفاعية.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أنه عند صنع القرار واتخاذه ينبغى أن يتصدر رجال السياسة المشهد، ويتراجع قليلاً رجال الأمن والاقتصاد وغيرهم، صحيح أن لرجال الأمن والاقتصاد أدواراً محورية، لكن هذه الأدوار تكون فى مرحلة صنع القرارات، أى فى تقديم التقديرات والمعلومات الحقيقية لمتخذ قرار وتقديم النصائح ووجهات النظر والتقديرات كل فى مجاله، بعد ذلك تقع مسئولية اتخاذ القرار ومتابعة تنفيذه وأيضاً دفع ثمنه على رجل أو رجال السياسة، وفى تقديرى أن من بين أبرز الأخطاء التى يرتكبها رجال السياسة، ومن بيدهم السلطة التنفيذية وصلاحيات اتخاذ القرار إغلاق الدائرة المحيطة بهم وغياب الشفافية والتنوع فى الآراء، والاعتماد التام على أهل الثقة لا الخبرة، وزيادة مساحة المكون الأمنى على ما عداه من مكونات ضمن مدخلات صنع القرار، الاستبعاد المتواصل لأهل الخبرة من منطلق ضيق صدر رجل الأمن بالحوار، فحسب تنشئته، فإن المسألة لا تتعدى أوامر وتعليمات مطلوب تنفيذها دون نقاش أو حوار، وقد يكون ذلك صحيحاً فى عمل الأجهزة الأمنية وفى تفاعلات عناصرها مع بعضها بعضاً، لكن سحب ذلك إلى عالم السياسة فيه كارثة على السياسة والأمن أيضاً.

No comments:

Post a Comment