Translate

Friday, November 18, 2016

رامى جلال - «هلك شعبى من عدم المعرفة» - جريدة الوطنى - 18/11/2016

المشهد المعلوماتى المصرى فوضوى، فلا حرية تداول معلومات، ولا شفافية حقيقية، وكل فى فلك يسبح منفصلاً عن الآخر، وهى أجواء نشأة الشائعات وترعرعها، وتترك فيها الدولة نفسها نهباً لكل شخص تسول له نفسه قول أى شىء فى أى موضوع وتنسى أن عدم المعرفة يؤدى للهلاك، فإن كانت الدولة صاحبة مصلحة أصيلة فى عدم تنظيم الإعلام، لكن تستخدم عرائس الماريونيت بسهولة، فإن الأعراض الجانبية لذلك تسبب صداعاً وغثياناً وقد تؤدى للوفاة.
معظم من يتصدرون الشاشات الآن هم مدعون، وبعضهم جهلاء، وهؤلاء هم من يوجهون الرأى العام ويثيرون ذعر الناس من الأوضاع الحالية بممارساتهم الإعلامية الخاطئة.
إن كان «الجهل أبو الشرور»، كما يقول «سقراط»، فهل الشرور يتيمة الأم؟ فى تقديرى أن أُم الشرور هى «ادعاء العلم».. وقد لخص «أبونواس» الأمر فى صيحته الشهيرة: «قل لمن يدعى فى العلم فلسفة، حفظت شيئاً وغابت عنك أشياء». وادعاء العلم مرض عضال غالباً ما يصيب الإنسان نصف المتعلم الذى هو أخطر كثيراً من الجاهل، لأنه ببساطة لا يعرف أنه جاهل، وبالتالى لا يقبل أى جديد؛ فهو شخص أحب نفسه وأقنعها بأنها محور هذا الكون، وأن كل من يخالفه فى الرأى هو إنسان أقل. والأكثر جهلاً يكون أكثر ادعاءً للمعرفة؛ بينما زيادة علم الشخص تزيد تواضعه واتضاعه؛ فالعلم الحقيقى والأصيل يجعل الإنسان مؤمناً بأنه مجرد نقطة فى بحر الحياة وأنه سيظل فى حالة تلمذة لا نهائية.
وكما أن العلم درجات، فالجهل أيضاً درجات، فهناك الجهل البسيط؛ وفيه يتم فهم موضوع ما دون معرفة التفاصيل المحيطة به. ويوجد الجهل الكامل؛ وهو عدم معرفة أى شىء عن موضوع ما. ويوجد الجهل المركب، وفيه يتم فهم الموضوع بشكل مخالف للحقيقة. ويبقى النوع الأخطر من كل ما سبق هو «الجهل اللذيذ» الذى يحبه الكثيرون فى بلادنا، فيرفضون النصيحة من أى شخص، حتى لو كانت نصيحة من كلمة واحدة تقول: «اقرأ» (قرآن)، أو نصيحة من كلمتين تقول: «فتشوا الكتب» (إنجيل).. هذه نصائح إلهية بسيطة ليس معناها (ابحث عمّن يقرأ لك ويفكر لك).
العديد من الفقهاء أكدوا أن أسوأ أنواع ادعاء الإنسان لما ليس له هو «ادعاء العلم». والكثيرون لا يتدبرون قوله تعالى «وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً»، ولا يتفهمون أن هذا القليل سيظل قليلاً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.. ويؤكد المتنبى أنه «لكل داء دواء يستطب به، إلا الحماقة أعيت من يداويها». هذه الحماقة تطل علينا الآن عبر الشاشات بمذيعين ومذيعات يعتمدون فقط على فريق إعداد أو على «سماعة» موضوعة فى أذنهم يلقنهم فيها أحدهم ما يقولون، وكل هؤلاء تظهر ضحالتهم عند أول سِجال حيث سينكشف محتواهم المعرفى الصفرى.

No comments:

Post a Comment