Translate

Monday, November 28, 2016

د. عماد جاد - عودة «العثمانى القديم» - جريدة الوطن - 28/11/2016

صوّت البرلمان الأوروبى بأغلبية ساحقة على قرار بتجميد مفاوضات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبى، فرد الرئيس التركى أردوغان بتهديد أوروبا بإطلاق اللاجئين عليها، وأنه لن يلعب دور حائط صد اللاجئين مرة أخرى، ودخل فى سجال مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فظهر وجه العثمانى القديم، وتلاشت صورة العثمانية الجديدة التى حاولوا ترويجها على مدار قرابة عقد من السنوات.
فقد قدم حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان أنفسهم للعالم باعتبارهم «العثمانيين الجدد»، كما جرى تقديمهم لنا باعتبارهم نموذجاً للواقعية السياسية، وكثرت زياراتهم للقاهرة بعد ٢٥ يناير لا سيما وزير خارجيتهم فى ذلك الوقت «أحمد داود أوغلو»، جاء أكثر من مرة ليشرح لمراكز الفكر والدراسات رؤية العثمانية الجديدة للتنمية الاقتصادية وللعلاقات المتجددة مع الجوار الإقليمى، وخلاصة رؤيتهم هى أن تركيا مع حزب العدالة والتنمية الذى ينسب نفسه لتيار الإسلام السياسى ثقافياً وحضارياً، سلكت طريقاً جديداً يستند إلى حل كافة المشاكل التاريخية مع دول الجوار، التى كانت ضمن الإمبراطورية العثمانية مترامية الأطراف فى يوم ما قبل أن تصبح الرجل المريض الذى تقتسم دول أوروبا ممتلكاته. طرح العثمانى الجديد، داود أوغلو رؤيته للعلاقة مع دول الجوار من خلال ما سماه «صفر مشاكل» أى تسوية كافة المشاكل فى البلقان وإلى الجوار الجنوبى، وطرح العثمانى الجديد على شعوب وأعراق عديدة ارتكب العثمانى القديم بحقها جرائم وصلت إلى حد الإبادة (الأرمن) وأخرى أعاق حقها فى تقرير المصير وظلمها تاريخياً (الأكراد).
فى الوقت نفسه، قدم العثمانى الجديد نفسه لأوروبا باعتباره نموذجاً للدولة الإسلامية العلمانية التى يمكن أن تكون جزءاً من أوروبا، تؤمن بقيمها الحديثة وتتعامل معها من منطلق المصلحة الوطنية.
نجح العثمانى الجديد رجب طيب أردوغان فى توظيف خطاب العثمانية الجديدة من أجل جذب الاستثمارات العربية والدولية، وحقق نمواً مطرداً دفع الاقتصاد التركى على طريق نهضة حقيقية. واصل العثمانى الجديد طريق التنمية والنهوض، إلى أن سقط القناع وكشف قادة تركيا عن أنهم عثمانيون فقط، أما وصف الجديد، وما طرحوه من سياسات، فإنه لا يعدو أن يكون مجرد شعارات وأقنعة وضعوها على وجوه قديمة وعقول لم تتغير منذ عقود وربما قرون. طوروا العلاقات مع سوريا وفتحوا الحدود وألغوا التأشيرات فى زمن ترويج العثمانية الجديدة، قدموا أنفسهم للغرب باعتبارهم «كبير المنطقة»، الذى يمكن أن يضبط إيقاعها ويقودها فى السنوات المقبلة.
بدأت تركيا طريقها نحو الهاوية عندما شرعت فى ممارسة سياسات السيطرة والهيمنة وسمحت لنفسها بالتدخل الفج فى الشئون الداخلية لدول الجوار، سعت كغيرها من النظم السلطوية فى المنطقة إلى امتطاء القضية الفلسطينية من أجل دغدغة مشاعر العامة والبسطاء، أطلقت الكثير من التصريحات المؤيدة للشعب الفلسطينى، حاولت أن تبدو فى شكل من يضحى بعلاقاته مع إسرائيل لخدمة القضية الفلسطينية، وانتهى بها المطاف لدعم حركة حماس باعتبارها فرع جماعة الإخوان المسلمين فى فلسطين، تعاونت مع قطر فى مخطط إسقاط نظام بشار الأسد فى سوريا، جعلت من أراضيها معبراً للمقاتلين الذين يدخلون سوريا لمحاربة نظام بشار الأسد، ساهمت فى تدمير سوريا وتشريد مئات الآلاف من أبناء الشعب السورى، بدت فى صورة الملهم لثورات «الربيع العربى»، وقدمت نفسها باعتبارها النموذج الذى ينبغى أن تحتذى به الدول العربية. فى سوريا كشف النظام التركى عن وجهه العثمانى القديم، وبدأت عملية سقوط الأقنعة التى وضعوها على وجوههم. بدأ المصريون تحديهم لحكم المرشد والجماعة، وسرعان ما بدأت تركيا تشهد احتجاجات ضد الحكومة، فجاءت كلمات رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان نسخة من كلمات مرسى التى كانت تثير الاستهزاء، تحدث أردوغان مثلما تحدث مرسى، قال إنه منتخب، ولديه أنصار، ولا مساس بالشرعية، وإن المتظاهرين مدفوعون من الخارج على النحو الذى جعل الخبراء والمحللين ووسائل الإعلام يقارنون بين كلمات أردوغان ومرسى، وتصل إلى استنتاج مؤداه أن خطاب أردوغان يكاد يكون مشابهاً لخطاب مرسى من حيث المبررات والحجج والاتهامات للمعارضة.
ثم جاءت ثورة الثلاثين من يونيو، التى أطاحت بمرسى، ففقد العثمانيون ما كان لديهم من حصافة وتهاوت معها نظرية «صفر مشاكل»، فأدخلوا أنفسهم فى خلافات وصراعات أعادت إنتاج صورة العثمانى القديم الذى دفع المنطقة إلى حالة من التخلف، جاءت ثورة الثلاثين من يونيو، ففقد أردوغان ما كان يضعه على الوجه من قناع، قال الرجل إن رئيس مصر الشرعى هو مرسى، وإن تركيا لن تتعامل مع الحكومة الجديدة فى مصر، فى خطوة تكشف أنه تصرف من منطلق انتمائه للجماعة، لا كسياسى يقود دولة إقليمية، دخل فى عداء مع مصر وشعبها ليس له أى مبرر سوى فقدان القدرة على ضبط الأعصاب بعد سقوط حكم الجماعة فى مصر، استضاف أردوغان بعد ذلك اجتماع التنظيم العالمى لجماعة الإخوان، الذى وضع خطة استهداف مصر والمصريين، واختراق الجيش المصرى تمهيداً لإسقاطه، وهى أوهام كأوهام المرشد والجماعة، لكنها تؤشر فى الوقت نفسه على انتهاء حقبة النهوض التركى بأقنعة العثمانية الجديدة وعودة الوجه القبيح للعثمانى القديم، الذى سيعزل تركيا عن أوروبا ويعيد سياسات قديمة سبق أن قادت إلى انهيار الإمبراطوية العثمانية.

No comments:

Post a Comment