Translate

Saturday, November 5, 2016

د. عماد جاد - قصة الدعم - جريدة الوطن - 5/11/2016

لا يجادل أحد فى أهمية تقديم الدولة دعماً للفئات غير القادرة فى المجتمع، ولا مجال للسجال حول دور هذا الدعم فى مساعدة الأسر الفقيرة على تلبية احتياجاتها، لكن القضية هى قيمة هذا الدعم والشكل الذى يأخذه والأكثر أهمية من كل ذلك أن يصل الدعم إلى الفئات المستحقة، أى أن يصل إلى مستحقيه، وتلك هى القضية الجوهرية، ما يحدث فى مصر اليوم أن الدعم لا يصل إلى مستحقيه، وأن فئات قادرة وغير مستحقة من المصريين تحصل على جزء من هذا الدعم المخصص لفقراء المصريين، بل إن غير المصريين يحصلون على جزء من الدعم الذى يفترض أن الدولة تقدمه للفئات غير القادرة فى المجتمع المصرى، ومثال ذلك أن الأثرياء والدبلوماسيين الأجانب يستفيدون من دعم الدولة للوقود وتحديداً البنزين، وهو أمر عجيب ولا يحدث فى أى دولة فى العالم، أن يذهب الدعم المخصص لفقراء المصريين إلى الأثرياء والقادرين بل والأجانب. وللتدليل على ذلك نقول إن دعم الوقود فى الموازنة المصرية لعام ٢٠١٣ كان ١٢٠ مليار دولار هبط إلى ٧٠ مليار جنيه عام ٢٠١٥، وتستهدف الحركة الأخيرة الوصول به إلى ٣٥ مليار جنيه. وعلينا أن نعرف أن إجمالى الدعم فى موازنة ٢٠١٥-٢٠١٦ يتراوح ما بين ١٨٠ إلى٢٢٠ مليار جنيه، والمفترض هنا أن يتم توجيه الدعم إلى المجالات الحيوية التى تضمن حصول غير القادر عليه، فقد تراكمت أخطاء وخطايا بيروقراطية الدولة المصرية بحيث انحرف الدعم عن مساره، وبات يصب لمصلحة فئات قادرة تحصل عليه دون وجه حق، بينما يعجز المستحق الحقيقى عن الحصول على الدعم المخصص له بالأساس، خذ على سبيل المثال أيضاً دعم المواد التموينية من خلال بطاقات التموين، وفى الوقت الذى تقول لنا الإحصاءات إن نسبة المصريين تحت خط الفقر نحو ٢٠٪ من السكان، فإن نحو٩٠٪ من المصريين لديهم بطاقات تموين، ومن ثم يحصلون على مواد تموينية بسعر مدعوم، مخصص للفئات غير القادرة.
لم يكن ممكناً بدء عملية إصلاح اقتصادى دون معالجة الخلل فى قضية الدعم وذلك عبر ترشيد هذا الدعم من ناحية وضمان وصوله إلى مستحقيه من ناحية ثانية، ومن هنا جاء خفض الدعم الموجه للوقود، والمتوقع أن يوفر للدولة نحو ٣٥ مليار جنيه، الهدف هنا ليس التوفير فى حد ذاته بل إعادة توجيه هذه الأموال بحيث تصل إلى المستحق، فمن الذى يضار من خفض الدعم المخصص للوقود؟ هل ستضار الفئات الأكثر احتياجاً؟ الإجابة لا من سيتحمل ذلك هو الفئات القادرة التى لديها سيارات خاصة، نعم سيطول الفئات الضعيفة قدراً من ثمن هذا الخفض، ولكنه قدر ضئيل يتمثل فى ارتفاع أسعار بعض وسائل المواصلات التى يستخدمونها مثل الميكروباصات، وأيضاً ارتفاع تكاليف الإنتاج الزراعى والنقل، ولكنه ارتفاع محدود للغاية، وهناك تصور لمعالجة هذا الوضع من قبل الدولة.
ما نود التأكيد عليه هنا هو أن المبالغ المخصصة للدعم فى الموازنة المصرية قد قفزت بشكل كبير، كما أنها لا تصل إلى المستحق بل تتسرب إلى فئات غير مستحقة بل وقادرة، ومن ثم فإن قرار تخفيض الدعم المخصص للوقود يأتى فى سياق رؤية تستهدف انتقال الدولة من دعم مواد لا تصب مباشرة فى صالح الفئات المستهدفة إلى بنود يستفيد منها المستحق مباشرة، ومنها على سبيل المثال زيادة الدعم المخصص للعلاج المجانى، التعليم العام، توصيل المرافق للمناطق المحرومة منها حتى الآن، تصفية مناطق العشوائية ونقل سكانها إلى مساكن آدمية تليق بالبشر، أيضاً هناك التصور الخاص بتقديم الدعم النقدى عبر امتلاك قاعدة بيانات دقيقة تحدد الفئات المستحقة للدعم، ويجرى تقديم الدعم النقدى المباشر لها، وليكن على سبيل المثال تقديم مبلغ نحو ألفى جنيه مصرى لكل أسرة محتاجة وغير قادرة، تتغلب بهذا المبلغ على ارتفاع الأسعار وتواجه به متطلبات الحياة، وتوجه إنفاقها على النحو الذى يلائم احتياجاتها، هذا فى الوقت الذى تزيد فيه الدولة من الدعم المخصص للعلاج المجانى عبر تطوير المستشفيات العامة وتحمل أعباء علاج غير القادرين، تطوير التعليم العام والعودة به إلى الصدارة، كما كان الحال حتى نهاية ثمانينات القرن الماضى عبر استنساخ تجارب التعليم فى الدول المتقدمة، مثل ألمانيا واليابان، إضافة إلى نقل سكان العشوائيات إلى أحياء جديدة، كما جرى فى تجربتى الإسمارات وغيط العنب.
الكلمة الأخيرة هنا لا تتاجروا بقضايا الغلابة والفقراء، فما يجرى اليوم فى موضوع الدعم إنما يستهدف تمكين الدولة من إيصاله إلى مستحقيه وتوفير مبالغ مالية يحصل عليها غير المستحق وتوجيهها لصالح الفئات المستحقة بأشكال متنوعة ومنها الدعم النقدى المباشر.

No comments:

Post a Comment