Translate

Wednesday, November 2, 2016

د. عماد جاد - قفزات نوعية (٦) - جريدة الوطن - 2/11/2016

بعد ثلاثة أيام من العمل المتواصل فى جلسات حوارية وورش عمل، اختتم المؤتمر الوطنى الأول للشباب أعماله فى مدينة شرم الشيخ، وفى الختام قام الرئيس بتكريم عدد من الشباب المصرى المتفوق فى مجالات مختلفة، ثم ألقى كلمة فى ختام المؤتمر، أحسب أنها لخصت القفزات النوعية التى تحدثنا عنها على مدار الأيام الخمسة الماضية، فقد قرر رئيس الجمهورية تشكيل لجنة من الشباب الموجود وعدد من الرموز الوطنية والخبراء والمتخصصين من أجل فحص حالات الشباب الموقوف، الشباب المصرى غير المحكوم عليه وغير المتورط فى جرائم عنف ولم تتطلخ أيديه بدماء المصريين، وتقديم تقرير لرئيس الجمهورية عن أوضاع هؤلاء الشباب فى غضون شهر، وذلك حتى يمكن الإفراج عن الشباب غير المحكوم عليه وغير المتورط فى أعمال عنف دموية. كما قرر الرئيس فى كلمته الختامية تشكيل لجنة لمراجعة قانون التظاهر وتقديم التوصيات بشأن تعديل بعض بنود القانون حتى يحدث التوافق الوطنى حول القانون.
وقد بدأت رئاسة الجمهورية على الفور الاتصال بشخصيات وطنية وشباب مصرى مشهود له بالكفاءة والنضال الوطنى لعضوية هاتين اللجنتين، وسوف يبدأ العمل فى غضون أيام قليلة. وفى تقديرى أنه بتشكيل هاتين اللجنتين يكون المؤتمر الوطنى الأول للشباب قد حقق قفزات نوعية جديدة، فبالإضافة إلى ما ذكرناه فى المقالات السابقة عن طبيعة الموضوعات التى تمت مناقشتها، دور الشباب فى المناقشة والحوار، جلوس رئيس الجمهورية فى مقاعد الحضور، التداخل من حين إلى آخر مع ما يطرح من قضايا، إضافة إلى تناول القضايا بكل حرية ومسئولية أيضاً على نحو لم تعتده الدولة المصرية، تلك الدولة المركزية التى يأخذ فيها الحاكم بعض السمات التى تفصله عن شعبه، غير القابل لفكرة الحوار والسجال، ضيق الصدر بالنقد، كل ذلك تم كسره فى مؤتمر شرم الشيخ للشباب، أيضاً فإن الشباب المصرى الذى شارك فى المؤتمر اكتسب خبرة كبيرة من الاشتراك فى نقاش موضوعى بحضور رئيس الجمهورية، والدخول فى سجال مباشر مع الرئيس، وهى فى ذاتها تجربة جديدة وغير مسبوقة فى حياة المصريين، قد يطرح البعض تجارب فى الستينات، ولكنى أقول إنها كانت تجارب محكومة ومدارة من قبل الأجهزة ومسيطر على كل كلمة تقال مسبقاً.
وسوف يظل الإنجاز الأبرز لمؤتمر شرم الشيخ للشباب أنه المؤتمر الذى بدأ فيه حل أكبر إشكاليتين فى علاقة النظام بالشباب، الإشكالية الأولى هى الشباب المحبوس دون صدور أحكام ضده، وغير متورط فى جرائم عنف دموية، فهناك مبالغة شديدة من قبل البعض فى تقدير أعداد الشباب المحبوس، وهناك من يقول إنه بالآلاف، ومن ثم فإن تشكيل لجنة وطنية لمراجعة هذا الملف وتقديم تقريرها لرئيس الجمهورية خلال شهر من الصعوبة بمكان، الإشكالية الثانية هى قانون التظاهر، فجميعنا يعلم أن هذا القانون صدر فى عهد الرئيس عدلى منصور وحكومة الدكتور حازم الببلاوى، ومنذ البداية كانت هناك تحفظات عديدة على القانون، وهى تحفظات طرحتها جهات عديدة من بينها المجلس القومى لحقوق الإنسان، ولكن الحكومة لم تأخذ بأى من التحفظات. كما أن هناك من بين الشباب من حاول استغلال حالة عدم الرضا عن القانون لكسر هيبة الدولة عبر الإصرار على الخروج فى مظاهرات دون اتباع الإجراءات التى يتطلبها القانون. وقد طالبت المنظمات الحقوقية وشخصيات وطنية بضرورة تعديل هذا القانون أكثر من مرة، وفى مؤتمر شرم الشيخ للشباب استجاب الرئيس وقرر تشكيل لجنة تقدم توصياتها بتعديل هذا القانون.
لا مبالغة فى القول إن مؤتمر شرم الشيخ حقق قفزات نوعية فى علاقة السلطة بالشباب وقدم نموذجاً لحوار راقٍ بين رئيس الجمهورية وقطاع مهم من الشعب، ونموذجاً فى كيفية إدارة الحوار والوصول إلى توافق وطنى حول قضايا خلافية. وسوف يعقد المؤتمر شهرياً ليضم مجموعات جديدة من الشباب ومؤتمر سنوى ضخم تناقش فيه قضايا الوطن بشفافية وبمشاركة رئيس الجمهورية.

No comments:

Post a Comment