Translate

Saturday, November 19, 2016

د. عماد جاد - تلويث وجه الوطن - جريدة الوطن - 19/11/2016

الجريمة النكراء التى وقعت فى قسم الأميرية بمحافظة القاهرة وأسفرت عن موت مواطن مصرى بسيط تحت التعذيب لا ينبغى أن تمر علينا جميعاً، فهذه الجريمة البشعة تنتمى إلى مرحلة ما قبل الإنسانية وإلى نظم حكم لم تعد قائمة اليوم سوى فى عدد محدود للغاية من نظم حكم منبوذة وملفوظة من المجتمع الدولى. جريمة يندى لها جبين الإنسانية وتلطخ وجه الوطن.
الجريمة التى راح ضحيتها مواطن مصرى بسيط ينتمى للشريحة الدنيا من الطبقة الدنيا، أى أفقر فقراء المجتمع المصرى ويعمل سائقاً لعربة كارو فى سوق السمك، ويدعى مجدى مكين، هى فى جوهرها ليست بجريمة طائفية، بل هى جريمة إنسانية، فمجدى مكين لم يقتل تحت التعذيب لأنه مسيحى بل لأنه فقير معدم مثله فى ذلك مثل عشرات المصريين الفقراء الذين يلقون حتفهم فى السجون تحت التعذيب، ثم يجرى بعد ذلك التواطؤ لطمس معالم الجريمة ما بين تصريحات متسرعة بأن الرجل مات بسبب الأمراض المزمنة التى يعانى منها من سكر وضغط، وهناك من يجتهد ليقول إنه مات بأزمة قلبية حادة. عادة ما نجد محاولات مضنية من جانب وزارة الداخلية للتعمية على الجريمة ومساعدة المجرم على الهروب من المحاسبة وقد تتم الاستعانة بالطب الشرعى لإثبات سبب معلن للوفاة عكس الحقيقة، ولنا فى قصة الشاب محمد الجندى الذى قتل على يد نظام الجماعة مثال على ذلك ومحاولة وزير عدل الجماعة أحمد مكى تلفيق سبب غير حقيقى للوفاة وصدامه مع كبير الأطباء الشرعيين فى ذلك الوقت الدكتور إحسان كميل جورجى وتهديده بإيذاء أبنائه حتى يكتب ما يريد النظام، الأمر الذى أدى إلى رحيل الرجل عن البلاد وهجرته إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
جريمة قتل المواطن مجدى مكين تحت التعذيب جريمة شنعاء، تلوث وجه الوطن وتقدم الدليل العملى لمن يريد على أساليب بعض رجال الشرطة فى التعامل مع المواطنين المصريين، وتقول للعالم بأن هناك فى جهاز الشرطة المصرية من يمارس التعذيب بأبشع صوره، ومن لديه القدرة على تعذيب مواطن حتى الموت، وهو الأمر الذى يمكن أن يرتب نتائج خطيرة على المستويين الداخلى والخارجى.
نعلم تماماً أن جهاز الشرطة المصرى جهاز وطنى وأن غالبية أفراده يطبقون القانون، لكن ذلك لا ينفى أن هناك حالات كثيرة داخل جهاز الشرطة مثل نقيب قسم الأميرية الذى قتل المواطن المصرى مجدى مكين تحت التعذيب باستخدم أساليب بشعة تنتمى للحقبة العثمانية فى تعذيب البشر ، ومنها عقوبة «الخازوق». وما نود التأكيد عليه هنا هو أن هذه الجريمة سوف تستخدم فى تلطيخ وجه النظام والوطن، وتعيد إحياء الحديث عن الأساليب المستخدمة قى تعذيب المواطنين وقتلهم لاسيما مع تكرار مثل هذه المشاهد ما بين تعذيب وضرب يفضى إلى موقت أو قتل بالسلاح الرسمى (الميرى) كما حدث فى أكثر من واقعة على مدار الشهور القليلة الماضية.
المطلوب الآن من وزارة الداخلية الإقرار بما جرى أولاً، عدم التدخل فى سير التحقيقات أو التأثير على الشهود، تقديم الحقائق كاملة للرأى العام، وترك الجانى يحصل على العقاب الذى يستحقه كى يكون عبرة لغيره من مرضى النفوس والعقول. أيضاً لا بد أن تبادر وزارة الداخلية من جانبها بوقفه عن العمل إلى حين انتهاء التحقيقات وقبل كل ذلك وانطلاقاً من مبدأ المسئولية السياسية لا بد أن يبادر وزير الداخلية بتقديم اعتذار للشعب المصرى عن ارتكاب أحد أفراد وزارته هذه الجريمة البشعة، ولابد للسيد الوزير أن يعلم أنه موظف عام مكلف بمهام من قبل الرئيس ومجلس النواب، وأنه وأفراد جهازه ليسوا سادة ولا الشعب وفقراؤه عبيداً له ولوزارته، بل إن الشعب المصرى هو صاحب السيادة، هو من لديه تفويض أعطاه للرئيس ومنحه مجلس النواب الثقة للحكومة كى تمارس مهامها فى رعاية الشعب ومصالحه رعاية كاملة، وأقسم على احترام الدستور والقانون، لذلك أحسب أنه من الضرورى للسيد وزير الداخلية أن يبادر بتقديم اعتذار رسمى للشعب المصرى عن ارتكاب أحد أفراد وزارته لهذه النوعية من الجرائم التى عفا عليها الزمن، ويتعهد للشعب بعدم التستر على أى مجرم وكشف الحقائق كاملة، غير ذلك أتصور أن النظام بأكمله سوف يدفع ثمن هذه الجريمة النكراء، وهو أمر لا نؤيده ولا نتمناه، لأننا ندرك تماماً أن السيد رئيس الجمهورية لن يقبل بجريمة من هذا النوع بل لن يقبل بأى انتهاك للقانون.

No comments:

Post a Comment