Translate

Wednesday, November 23, 2016

د. عماد جاد - هل ضاعت الفرصة (٣) - جريدة الوطن - 23/11/2016

نظراً لغلبة المكوِّن الأمنى على السياسى، فقد غابت القدرة على التوافق، وسادت الرؤية الأحادية التى تقول بأن «من ليس معنا فهو علينا»، ومثل هذه الرؤية عاجزة عن إدراك مساحة المشترَك مع من ليس معهم تماماً، فقد يكون التلاقى فيما بين الموقفين، وقد يكون التلاقى بمجرد سماع الرؤى المغايرة ووجهات النظر الأخرى التى ربما بناء عليها يتم تعديل الدفة وتطوير المسيرة، فمن تحسب أنه ليس معك هو معك فى الرؤية الكلية الشاملة، لكنه يختلف معك فى تفاصيل المشهد، يختلف معك فى علاقة المكوِّنين الأمنى والسياسى، ويدرك أن السياسة لا بد أن تقود الأمن، والأمن لا بد أن يعمل فى ركاب السياسة، ومتى قاد الأمن السياسة سادت معادلة «من ليس معنا فهو علينا»، وهى معادلة حدية وخطرة فى الوقت نفسه، لأنها تنظر إلى كافة المواقف السياسية وتقيِّمها انطلاقاً من رؤية أمنية خالصة، ومن ثم نصل إلى تفتيت التحالفات واصطناع صراعات وهمية مع شركاء فى الرؤية، هذا بينما غلبة المكوِّن السياسى على الأمنى يعنى الانطلاق من رؤية مرنة، تبحث باستمرار عن التوافق وعن إدارة للخلافات حتى يمكن الوصول إلى تفاهمات أو على الأقل طريقة إدارة الاختلاف، طريقة تقدِّر وتثمِّن مساحة المشترك فى الرؤية، وتحترم مساحة الاختلاف، تعمل على جسر الفجوة وتضييقها من ناحية وعلى إدارة الخلافات أو الاختلافات على نحو يحصرها فى مجالاتها المحددة ولا يجعلها تمتد إلى باقى المشهد. هيمنة المكوِّن الأمنى على السياسى ضيَّقت من مساحة المشتركات بين القوى السياسية المختلفة، استُبعد كل من له رأى مختلف أو رؤية مخالفة، ولم يتوقف الأمر عند حدود الاستبعاد، بل امتد إلى التضييق والحصار مقابل فتح الأبواب والمجالات أمام من كيفوا أنفسهم مع المكوِّنات الجديدة القديمة، فسادت وجوه منافقة، كل مؤهلاتها القدرة على التلون والتغير وترديد جمل وعبارات معلبة جاهزة، باتت الوجوه متشابهة فى السياسة والاقتصاد بل والإعلام أيضاً، ومن يقف وراء ذلك يتصور أنه قادر على إعادة العجلة إلى الوراء، إعلام الستينات وأحزاب التسعينات ومنافقى كل نظام وعهد.
السؤال بصراحة: هل ضاعت الفرصة؟
الإجابة بوضوح أيضاً: لا، هناك شبه فرصة متاحة حتى هذه اللحظة، وتأتى من المشروعات التموية والقومية العملاقة التى يقوم بها الرئيس، والتى تعنى أن أساساً قد وُضع للتنمية الاقتصادية يتواصل بتعويم العملة، الانتقال من الدعم العينى إلى النقدى، استكمال منظومة التشريع فى مجال الاستثمار، الأمر الذى يعنى أننا أمام جهد حقيقى للسير باتجاه التنمية الاقتصادية، ولكى نحول شبه الفرصة إلى فرصة لا بد من البدء فوراً فى تطوير شامل لمنظومة التعليم، تطوير يبدأ بنسف منظومة التعليم الحالية واستنساخ تجربة من دولة متقدمة ولتكن التجربة اليابانية فى التعليم، مع تطوير بنية المدارس وإعادة تأهيل المدرسين وذلك حتى نحقق معدلات تنمية مرتفعة تقلص نسبة الفقراء فى المجتمع من ناحية وتنزل بنسبة الأمية إلى معدلات بسيطة للغاية، عندها سيبدأ الطلب على الديمقراطية الحقيقية بكل ما تشمله من مبادئ وقيم إنسانية، الفرصة لم تضع بالكامل بعد، وإذا كنا بدأنا عملية التنمية فلا بد من استكمالها بقوة عبر إصدار قوانين الاستثمار والبدء فوراً فى تغيير شامل لمنظومة التعليم، وإلى أن تتحقق التنمية الاقتصادية والاجتماعية التى ستفرض التنمية السياسية، أى الديمقراطية، رجاء قلِّلوا من هيمنة المكون الأمنى وزيدوا مساحة المكون السياسى، ففيه نجاة البلاد والعباد من ردة متوقعة فى حال استمرار الآليات المتبعة حالياً والتى تعطى للأمن اليد الطولى والغلبة على السياسة.

No comments:

Post a Comment