Translate

Sunday, November 20, 2016

د. عماد جاد - حالة الاستقطاب - جريدة الوطن - 20/11/2016

يمر المجتمع المصرى بحالة استقطاب حادة تجعل من الصعب على طرفى الحالة استيعاب أنهما طرفا نقيض، وأن الحقائق تقع فى مسافة ما بينهما، ونتيجة حدة الاستقطاب، يعجز أىٌّ من الطرفين عن رؤية الحقائق كما هى، بل يقوم كل منهما بتلوينها باللون الذى يريد، ينفخ فيها ويُضخّمها أحياناً، ويُقلّل من قيمتها ويُقزّمها أحياناً أخرى حسبما تقتضى المصلحة.
خُذ أى واقعة من الوقائع، وادرس ردود الفعل المجتمعية عليها، وسوف تجد للواقعة عدة وجوه، كلٌّ يركز على الوجه الذى يريد، ولا التقاء فى منتصف الطريق، حيث عادة ما يكون موقع الموضوعية بين طرفى حالة الاستقطاب. وفى تقديرى أن غياب الشفافية من قِبَل الحكومة والميوعة فى تطبيق القانون، ونشر الفكر المتشدِّد يقف وراء حالة الاستقطاب الحاد، الذى يمر به المجتمع المصرى. الاستقطاب الحاد والحدة يسيطران على طريقتنا فى الحوار والنقاش، يُهيمنان على تعاملنا مع بعضنا البعض، لا قيمة للحقيقة ولا دور للمعلومات فى نقاشنا وحوارنا، فنحن نناقش ونحاور بما لدينا من انتماءات مُسبقة وانحيازات سابقة، وما تراكم لدينا من صور نمطية عن بعضنا البعض وعن الآخرين، أى «Streo Types». هذه الصور النمطية الجامدة عن الذات، والتى عادة ما لا تقاوم الحقائق والمعلومات، ومن ثم يجرى على الدوام الحكم على الآخرين وتصرفاتهم، انطلاقاً من الصور النمطية المحفوظة لهم، التى تشكلت بفعل عوامل التنشئة المختلفة من أسرة، مدرسة، دور عبادة، مقررات تعليم ووسائل إعلام، ومن ثم تلعب الحكومات دوراً جوهرياً فى تشكيل الصور النمطية للشرائح المجتمعية، الدينية والطائفية والعرقية أيضاً، فتجد سمات مستقرة مرسومة لأبناء الأديان، الطوائف، والأعراق، وأيضاً الشرائح الاجتماعية المختلفة. وعندما يقع حدث من الأحداث، يجرى على الفور استدعاء الصور النمطية وتركيبها بسرعة على الحدث أو الواقعة، ولأن طرفى أو أطراف الحوار أو النقاش عادة ما ينطلق كل منهم مما يحمل من صور نمطية، فسرعان ما يحدث التنافر، ثم الاستقطاب، ثم الصراع وتبادل الاتهامات.
خُذ على سبيل المثال واقعة قسم شرطة الأميرية، فقد توفى المواطن المصرى مجدى مكين داخل القسم، ومجدى مكين، مواطن مصرى مسيحى، فقير ينتمى إلى الشريحة الدُّنيا فى الطبقة الدنيا، أى أفقر فقراء المجتمع المصرى، كان يمكن التعامل مع الواقعة على أنها حادث عادى، بمعنى أن الرجل تعرّض للتعذيب الشديد، ومن ثم مات تحت التعذيب، فيعلن ذلك صراحة ويجرى اتخاذ الإجراءات القانونية تجاه المتهمين، ويتسلم الأهالى جثة فقيدهم، ويخرج المتحدث باسم وزراة الداخلية ليُقدم العزاء للأسرة ويُشدّد على أن القانون سوف يأخذ مجراه بشكل كامل. ولأننا نعيش فى ظل نظام لا يزال يتمسك بالصيغ القديمة لحماية من هو فى موقع السلطة أو المسئولية، ولأنهم اتفقوا أو تواطأوا على المسئولية المشتركة، وانصر زميلك ظالماً أو مظلوماً، فقد خرجت من وزارة الداخلية تصريحات مستفزة من قبل الفحص، مؤداها أن رجلاً مات بسبب الأمراض المزمنة التى يعانى منها. وهنا اندلعت حالة الاستقطاب فى المجتمع، فهناك من ركز على ديانة الضحية، مؤكداً أنه عُذِّب وقُتل لأنه مسيحى، وهناك من المواطنين العاديين من أقحم نفسه، لينفى واقعة التعذيب، فالمتوفى مسيحى ومن ثم لا بد من نفى صفة القتل عن الضابط المتهم. أكثر من ذلك تحركت الكتائب الإلكترونية الرسمية والتابعة لوزارة الداخلية فى محاولة لتمييع القضية وتفريغها من محتواها، الأكثر من ذلك هو أننى شخصياً نالنى قدر من شظايا الاستقطاب، فالمواطن المسيحى الذى دخل فى سجال حاد لم يقبل منى أى حديث موضوعى أو دعوات لتطبيق القانون، وما يريده هو التصعيد الفورى دون حدود أو سقف، والمواطن المصرى المسلم يُوجّه لى السؤال: لماذا تهتم بهذا الموضوع تحديداً؟ وهناك من الطرفين من كال السباب والشتائم.
ما نحن فيه اليوم من حالة استقطاب إنما هو نتيجة منطقية لتديين المجال العام منذ مطلع السبعينات، فقد نضجت أشجار التعصب والكراهية وأسقطت ثمارها المرة فوق رؤوسنا جميعاً، ورغم ثورتى يناير ويونيو، لا تزال أشجار التعصب والكراهية تنمو وتتغذى بفعل مناهج تعليم وإعلام غير مسئول وبيروقراطية يضرب التطرف جذورها، ونظام جديد قديم لم يحفر لنفسه مساراً مغايراً يبنى مواطنة كاملة غير منقوصة تُنهى حالة الاستقطاب الحاد فى مجتمعنا.

No comments:

Post a Comment