Translate

Saturday, November 26, 2016

د. عماد جاد - حدود التفويض (٢) - جريدة الوطن - 26/11/2016

بموجب التفويض الذى منحه الشعب للرئيس عبدالفتاح السيسى فى السادس والعشرين من يوليو ٢٠١٣، ليس من حق النظام الدخول فى مفاوضات مصالحة مع جماعة الإخوان الإرهابية، والاقتراب من هذه المنطقة بأى شكل من الأشكال يمثل تجاوزاً بل هو انتهاك للتفويض الممنوح للفريق أول عبدالفتاح السيسى، الذى اكتمل بمطالبته بالترشح على منصب رئيس الجمهورية، وهذا الطلب للترشح استند على أساس التصدى لعنف وإرهاب جماعة الإخوان، وليس البحث عن تسوية أو مصالحة مع الجماعة الإرهابية التى عاثت وتعيث فساداً فى بر أرض مصر وتقتل من المصريين المئات سواء كانوا من أفراد القوات المسلحة أو الشرطة المدنية أو من المواطنين المصريين الأبرياء الآمنين. وتستند الرؤية السابقة على بعدين أساسيين؛ البعد الأول هو أن دولة لها تاريخ عريق ونهضت على أساس من المركزية الشديدة لا يمكن أن تتفاوض مع جماعة تحت ضغط رفع السلاح فى وجه الدولة، الدول الهشة والرخوة والمنقسمة على ذاتها والتى جرى تخليقها حديثاً بإمكانها أن تفعل ذلك بحثاً عن صيغ توافقية للتعايش أو تقاسم السلطة أو إرساء أسس الحكم فى الدولة أو الدويلة الوليدة، لكن الحال فى مصر مختلف تماماً، فمصر دولة مركزية مستقرة حدودها منذ آلاف السنين، لا تستند فى صيغة الحكم على توازن دينى أو طائفى أو عرقى أو جغرافى، بل تستند إلى صيغ وطنية تبدلت واختلفت عبر العصور ولكنها ظلت صيغاً وطنية. صحيح جرت محاولات محدودة للضغط بالأوراق الدينية الطائفية والعرقية من حين إلى آخر فى تاريخ البلاد، لكن الصحيح أيضاً أن تاريخ مصر الحديث بُنى على أساس الدولة المركزية التى تقهر أى مجموعة ترفع السلاح فى وجهها ووجه شعبها، والمعادلة الذهبية فى تماسك الدول واستقرارها هى أن الدولة هى الطرف الوحيد الذى يحتكر أدوات العنف والقهر (أى السلاح وأشياء أخرى)، وأن الدولة لا تتفاوض مع من يرفع السلاح فى وجهها أو يخرج على النظام بالسلاح، وأنه فى اللحظة التى تقبل فيه الدولة الجلوس مع من يحمل السلاح وتحت وطأته تكون قد انتهت كدولة مستقلة تحظى بالاحترام فى عيون شعبها ودول الجوار، فالدولة يمكن أن تجرى حوارات وطنية وتدخل فى نقاشات مجتمعية، لكنها أبداً لا يمكن أن تدخل فى أى من الحوارات أو النقاشات تحت وطأة التهديد بالسلاح من جانب جماعة المفترض أنها تحمل جنسية الوطن.
البعد الثانى يستند بالأساس على طبيعة العلاقة بين الشعب وحكومته، فالشعب هو مصدر السيادة، وهو صاحب الاختصاص الأصيل، ومنظومة الحكم عبارة عن موظفين عموميين لديهم تفويض من الشعب لفترة زمنية محددة، والتفويض خلاصته ممارسة صلاحيات إدارة شئون البلاد على النحو الذى يحدده الدستور والقانون، لذلك يقسم الموظف العام، من رئيس الدولة إلى الحكومة إلى نواب البرلمان، على الحفاظ على سلامة الوطن ووحدة أراضيه، وعلى احترام الدستور والقانون، ودستورنا الحالى الذى جرى وضعه عام ٢٠١٤ استند على هزيمة الجماعة وطردها من السلطة بثورة شعبية شارك فيها قرابة ٣٠ مليون مصرى، وخرجوا مرة ثانية لإقرار الدستور الجديد ومرة ثالثة لانتخاب الرئيس ورابعة لانتخاب مجلس النواب. باختصار تنهض شرعية النظام القائم على تحصين البلاد فى مواجهة عنف الجماعة وإرهابها، والتصدى لمخططاتها، ومن ثم يقع خارج إطار التفويض الشعبى، ومن ثم أيضاً شرعية النظام القائم، أى محاولة لفتح حوار مع الجماعة، ناهيك عن فكرة المصالحة، جماعة تعادى الوطن، تراه حفنة من التراب العفن، تستقوى عليه بأعدائه. باختصار أى حوار مع الجماعة هو خارج حدود التفويض الشعبى للنظام، وعلى من بيدهم الأمر إدراك ذلك.

No comments:

Post a Comment