Translate

Tuesday, November 8, 2016

د. على السلمى - مناقشة صريحة لقرارات الحكومة «الصعبة» - جريدة الوطن - 8/11/2016

هذا وقت المصارحة والمكاشفة من أجل سلامة الوطن وتأمين مستقبله!
لقد كانت الحكومة غير موفّقة فى تأجيل اتخاذ القرارات الصعبة إلى الأسبوع الماضى، بينما كان رئيسها قد أعلن فى بيانه أمام مجلس النواب «الموقّر» يوم 27 مارس الماضى أن «المشكلات والتحديات كبيرة وضخمة، لكننا عازمون على اتباع المنهج العلمى السليم فى مواجهتها وتبنى أفكار جديدة، وسيكون علينا اتخاذ كثير من القرارات الصعبة التى طالما تم تأجيلها إلى أن وصلنا اليوم إلى ما نحن عليه، وأصبح اتخاذ هذه القرارات حتمياً، حتى نخطو إلى مستقبل أفضل»!!!
والسؤال الموجّه إلى رئيس مجلس الوزراء، ما منعك من اتخاذ تلك القرارات الصعبة التى طالما تم تأجيلها عقب إلقاء بيانه فى مجلس النواب «الموقر»، ولم يكن سعر الدولار فى السوق السوداء -أو كما يحلو للبعض تسميتها «السوق الموازية»- يتعدى السبعة جنيهات وبضعة قروش؟! وما الذى قامت به الحكومة لعلاج التصاعُد المستمر فى قيمته، ومعه كل أسعار السلع والخدمات المحلية والمستوردة، حتى وصل سعره إلى ثمانية عشرة جنيهاً؟ رغم أن الحكومة كانت على علم لا تستطيع إنكاره بشروط صندوق النقد الدولى لإقراض مصر اثنى عشر ملياراً من الدولارات، وفى مقدمتها تحرير سوق الصرف الأجنبى، وتخفيض قيمة الجنيه بالتالى، وكان إعلان السيدة «لا جارد»، مديرة الصندوق، واضحاً وصريحاً لا لبس فيه!!
إن قضية المصريين مع قرارات الحكومة الصعبة، التى هلّل لها الكثيرون، باعتبارها فتحاً مبيناً وخروجاً من الصندوق، هى أن الحكومة لم تستفد من الوقت المنصرم منذ قدّم رئيسها بيانه إلى مجلس النواب منذ أكثر من سبعة أشهر، ولم يلحظ المصريون قرارات حاسمة أو تفعيلاً صارماً للمبادئ التى تضمّنها ذلك البيان الذى اختارت له الحكومة شعاراً منقولاً عن حملة «أوباما» الانتخابية «نعم نستطيع»! هل استطاعت الحكومة فعل أى شىء ملموس على الأرض لمواجهة تحدى الزيادة السكانية. هل قدّمت الحكومة أى جديد لزيادة مساحة المعمور المصرى على 7% من إجمالى مساحة مصر؟ أو قدمت الحكومة جديداً يشعر به المواطنون فى مستوى جودة وكفاءة الخدمات الصحية والتعليمية والإسكان والصرف الصحى والنقل، بما يُمثل نقلة حضارية طالما شغلتنا بها تصريحات المسئولين الوردية وغير الواقعية، ولعل خير دليل على فشل الحكومة فى هذه المجالات الحياتية الأساسية للمواطن هو فداحة خسائر السيول الأخيرة فى محافظات الصعيد والبحر الأحمر، ومن قبلها كارثة سيول الإسكندرية والبحيرة العام الماضى!
ونأتى إلى تساؤل عن قرارات الحكومة بالنسبة إلى تحدٍّ آخر أورده رئيس الحكومة فى بيانه أمام مجلس النواب «الموقر»، ولخصه سيادته فى التباطؤ الشديد فى النشاط الاقتصادى، وارتفاع نسب التضخُّم إلى 12%، الذى وصفه بيان الحكومة الرشيدة أمام مجلس النواب «الموقر» بأنه «يمثل ضريبة يدفعها الفقراء ومحدودو الدخل»!
وبالمثل ماذا قدّمت الحكومة من قرارات حاسمة للتعامل مع استمرار ارتفاع عجز الموازنة العامة، الذى لا تزال نسبته مرتفعة بالمقاييس الدولية، كما جاء فى بيان الحكومة؟! وهل تصاعد همة الحكومة فى الاقتراض، وما يمثله من أعباء فعلية على الأجيال الحالية والمقبلة، كما يُقرر بيان الحكومة هو الحل غير التقليدى والمنهج العلمى السليم الذى بشّرنا به رئيس الحكومة؟ وإلى أى مدى تستطيع الحكومة الاستمرار فى الاقتراض وتحميل الأجيال الحالية والمقبلة عبء خدمة الدين العام التى بلغت فى موازنة 2015/ 2016 ما يقرب من 28% من إجمالى الموازنة العامة، التى هى مرشّحة بالقطع إلى الزيادة بالنظر إلى ما تنظره الحكومة فى الحصول على قرض صندوق النقد الدولى، وما يستتبعه من انفتاح فرص الاقتراض أمام الحكومة من منظمات ومؤسسات مالية أخرى تنتظر إشارة الصندوق حين إتمام اتفاق القرض، وقد حقّقت الحكومة شروطه؟!
وماذا قدّمت الحكومة بوزارتها العتيدة المختصة بالزراعة والصناعة أساساً من حلول وبرامج ثورية لتشغيل الطاقات الإنتاجية العاطلة من أراضٍ زراعية ومصانع لا تعمل منذ 2011؟! هل طرحت الحكومة برنامجاً من خارج الصندوق لإحياء شركات قطاع الأعمال العام وإعادة هيكلة ذلك القطاع الذى يضم صناعة الغزل والنسيج والصناعات الدوائية والهندسية والصناعات الغذائية بالأساس، التى تمثل مصدراً يدعم برامج الحماية المجتمعية التى تُبشرنا بها الحكومة، حين قرّر بيانها أمام مجلس النواب «الموقر» أن «أى إجراء اقتصادى سوف تصاحبه برامج للحماية الاجتماعية بالقدر المناسب»، وأن «أى برنامج اجتماعى لن يتم إلا بتوافر موارد تمويله، بما يضمن استدامته واستمرار المستهدَفين منه»، والفقرة الأخيرة تدل على ذكاء مفرط من كاتب بيان الحكومة، إذ ألغى التزام الحكومة ببرامج الحماية الاجتماعية للحد من أثر الإجراءات الاقتصادية، حيث لا يتوافر التمويل اللازم لتلك الحماية؟!!!!!!!
وهذا ما تم مع قرارات تحرير سعر الصرف بالتحديد وقرار تخفيض الدعم عن الوقود! إذ اتخذت إجراءات اقتصادية قاسية فى آثارها على الفقراء ومحدودى الدخل، وحتى أغلبية الطبقة المتوسطة الكادحة، فى سبيل الاحتفاظ بكرامة الإنسان المصرى فى سعيه للرزق، ولم تعلن أى برامج للحماية الاجتماعية تعوض المصريين عن انخفاض قيمة دخولهم وادخاراتهم، ومن ثم تهاوى قدراتهم الشرائية بنسب 48.5%!!! وذلك فيما عدا زيادة نسبة الفائدة على شهادات قناة السويس! ولم يصدر عن الحكومة أى شىء يدل على اهتمامها بالآثار السلبية الناشئة عن قرارى تحرير سعر الصرف وتخفيض دعم الوقود، والمتضررون من هذين «الإجراءين الاقتصاديين» كُثر، فى مقدمتهم المواطن المصرى الذى انخفضت قدراته الشرائية بنسبة كبيرة، والموظف المصرى والمدخّرون فى البنوك، كانوا يعتمدون على عوائد مدخراتهم! ثم إن الحكومة هى الأخرى مضارة، إذ تمثل الزيادة الفعلية فى سعر الدولار مشكلة كبيرة، حيث إن تقديرات الموازنة العامة على أساس أسعار للدولار الأمريكى هى حسب أقوال المسئولين غير واقعية، ومطلوب تصحيحها بالزيادة.
إن أسباب تحفُّظى على تلك «القرارات الصعبة»، رغم ضرورتها تتمثل فى عدم وفاء الحكومة بما قدّمته من وعود والتزامات فى بيانها إلى مجلس النواب «الموقر»، ولم تقدم بما تضمنته رؤية التنمية المستدامة 30-20 من أهدف التنمية، الرفاهية الاقتصادية، والعدالة الاجتماعية، واستمرار الحكومة فى اتباع الحلول والسياسات القديمة التى ثبت فشلها فى علاج مشكلات مصر المتراكمة، وافتقاد الجرأة والتحديث فى استثمار الموارد الوطنية والطاقات الإنتاجية المعطلة، أو الكشف عن موارد جديدة، فضلاً عن ترديد نوايا لم نجد لها صدى فى أداء الحكومة قبل إعلانها تلك الإجراءات القاسية مثل دعاوى مقاومة الفساد أو إصلاح أحوال المحليات ورفع كفاءة الأجهزة المحلية وإعمال نظم متطورة لاختيار القادة المحليين ومتابعة وتقييم أدائهم، ومحاسبتهم ومساءلتهم عن سوء الإدارة وتردى الخدمات وتراجع التنمية المحلية!
والغريب أن الحكومة لا تزال تعد المواطنين بأن تكون أهدافها واضحة ومحدّدة تسهل متابعتها وتقييم التقدم فى تحقيقها، وأنها تُبشر باقتصاد سوق منضبط يتميز باستقرار أوضاع الاقتصاد الكلى وقادر على تحقيق نمو احتوائى مستدام!!!!
وفى انتظار المزيد من القرارات الصعبة، ولا عزاء للمصريين!!!

No comments:

Post a Comment