Translate

Saturday, December 17, 2016

د. عماد جاد - كيف ولماذا يصير الإنسان متطرفاً؟ (٢) - جريدة الوطن - 17/12/2016

لا يولد الإنسان متطرفاً، بل يكتسب ذلك من بيئته، تلك البيئة التى تستقبله بعد الولادة مباشرة، وتبدأ فى زرع الأفكار وتغذيته فكرياً، تلك البيئة التى تتمثل فى الأسرة، دور العبادة، المدرسة، ومن ثم مناهج التعليم والمدرسين، ثم الشلة والأصحاب وأخيراً وسائل الإعلام. ما تزرعه فى عقل وقلب النشء إياه تحصد، إن كانت محبة وخيراً وسلاماً أو كرهاً وعنفاً وإرهاباً. ويكتسب الفرد ما يحمل من أفكار وقيم تحدد وجهته وسلوكه وعلاقته بالآخرين والمجتمع عبر تراكم ما نسميه بالمكوّن المعرف ذلك المكوّن الذى يتمثل فى المعتقدات والأفكار والتصورات التى يكتسبها الفرد من بيئته ومجتمعه ومكونات التنشئة المختلفة، التى عبرها يبدأ فى تكوين صور نمطية تجاه أفراد آخرين أعضاء جماعة معينة، وهو ما يأخذ صورة القوالب النمطية Stereo Types التى تعنى تصورات ذهنية تتسم بالتصلب الشديد والتبسيط المفرط عن جماعة معينة يتم فى ضوئها وصف وتصنيف الأشخاص الذين ينتمون إلى هذه الجماعة بناء على مجموعة من الخصائص المميزة لها. ويلاحظ أن العرق والدين والقومية تشكل أبرز الفئات التى تتعرض للقولبة النمطية، لأنها أكثر الفروق الاجتماعية وضوحاً وأكثرها مقاومة للتغيير. باختصار فإن المكون المعرفى يمثل الأساس الفكرى الذى يجرى زرعه عبر أدوات التنشئة المختلفة ومن ثم يحدد توجهات الفرد الفكرية وسماته الشخصية، مدى إيمانه بالقيم والمبادئ الإنسانية من عدمه.
يأتى بعد ذلك المكون الثانى، وهو المكون الانفعالى: وهو بمثابة البطانة الوجدانية التى تغلف المكون المعرفى، فإذا افتقد الاتجاه مكونه الانفعالى يصعب وصفه بالتعصب. بمعنى أن المكون الانفعالى هو المثيرات التى تدفع الشخص للتفاعل والانفعال معها، ومن ثم يكون جاهزاً للتحرك على النحو الذى يتوافق مع ما يحمله من أفكار، فالذى يحمل فكراً متشدداً تجاه دين أو طائفة مغايرة، هو يحمل الأفكار من خلال المكون المعرفى، ثم تأتى أحداث أو وقائع أو أكاذيب تصاغ وتقدم له من قبل من يثق فيهم، هنا يتفاعل مع هذه الأحداث أو تلك الأكاذيب ويكون مستعداً للدخول فى المكون الثالث، وهو المكون السلوكى. الذى هو المظهر الخارجى للتعبير عما يحمل الفرد من مشاعر وقوالب نمطية ويتدرج هذا المكون إلى خمس درجات:
أ- الامتناع عن التعبير اللفظى خارج إطار الجماعة على نحو يعكس سلوك كراهية دفينة.
ب- التجنب: أى الانسحاب من التعامل مع المجموعة أو المجموعات الأخرى رفضاً لها.
ج- التمييز: ويمثل بداية أشكال تطبيق التعصب الفعال، أى السعى إلى منع أعضاء الجماعات الأخرى من الحصول على مزايا أو تسهيلات أو مكاسب، سواء على نحو رسمى أو واقعى.
د- الهجوم الجسمانى: أى الاعتداء البدنى على أعضاء الجماعة أو الجماعات الأخرى.
هـ- الإبادة: وتمثل المرحلة النهائية للعداوة والكراهية وتجسد قمة الفعل العنصرى وتعبر عن نفسها فى شكل مذابح جماعية بناء على أساس الانقسام أو التمييز.
أما التمييز على أساس عوامل الانقسام الثانوى، فهو تمييز متغير لا يتسم بالثبات ويمكن للشخص أن ينتقل من فئة إلى أخرى، كما أنه لا يجرى وفق عناصر موروثة، ومن ثم يحدث التقاطع والتداخل فى مكونات الفئات التى تمارس التمييز وتلك التى يمارس ضدها التمييز، فالتمييز ضد الفقراء يشمل شرائح مختلفة عابرة لعوامل الانقسام الأولى، أى عابرة لعوامل العرق، اللغة، الدين، وربما الطائفة، كما أن التنقل بين الفئات يظل وارداً، فعلى سبيل المثال فإن الانتقال من الفئة الممارس التمييز ضدها إلى الفئة المميزة، والتى يمكن أن تمارس التمييز يحدث من خلال التعليم والترقى الاجتماعى والاقتصادى.
والتمييز وفق عناصر الانقسام الأولى يختلف عن الاشتراطات الخاصة ببعض المناصب والمواقع فى مؤسسات الحكم، فالمفترض انفتاح مجالات الترقى والصعود الاقتصادى والاجتماعى أمام كافة المواطنين بصرف النظر عن عوامل الانقسام الأولى من لغة، عرق، دين، طائفة وجنس (ذكر - أنثى)، وأيضاً الثانوى مثل المهنة والطبقة الاجتماعية، وهو أمر يختلف عن وضع اشتراطات خاصة ومواصفات معينة لمواقع محددة فى مؤسسات الدولة، مثل القضاء والأجهزة الأمنية، وهى اشتراطات ينبغى أن تتسم بالعمومية والموضوعية. وفى تقديرى أن القضية لا تحتاج إلى جدل وسجال سوفسطائى (عقيم) بقدر ما تحتاج إلى شجاعة الاعتراف بالواقع القائم فى بلادنا، الذى يقول إن التمييز يمارس فى مجتمعنا المصرى على أساس عوامل الانقسام الأولى وتحديداً الدين والطائفة والجنس، والانقسام الثانوى ضد الفقراء والبسطاء وذوى الخلفية الاجتماعية البسيطة.

No comments:

Post a Comment