Translate

Friday, December 23, 2016

د. عماد جاد - حصاد «فائض» التدين الشكلى (٢) - جريدة الوطن - 24/12/2016

لدينا فائض ضخم من التدين الشكلى الذى لا يصل إلى عمق الإنسان ولا ينبع من قيم الدين وفضائله، فنحن أكثر شعوب الدنيا حديثاً عن الدين وتوظيفاً له، ويصعب وصفنا بالمتدينين، فالتدين الحقيقى هو إيمان بقيم وفضائل عليا وسمو أخلاقى، وما نراه فى الشارع المصرى وكافة مناحى الحياة اليومية لا يمكن أن يكون لمجتمع متدين، بل مجتمع مظاهر تدينه شكلى، يعبد الله بشفتيه أما القلوب فمنصرفة فى شئونها الخاصة، ونحن نعلم أن الإيمان هو «ما وقر فى القلب وصدقه العمل» فلا قلوب عامرة بالإيمان ولا أعمال صالحة، فقط مظاهر شكلية. أذكر قصة بعض لاعبى النادى الأهلى الذين كان همهم الأعظم هو إقناع مدربهم البرتغالى مانويل جوزيه باعتناق الإسلام، تسابق على محاولة الفوز بحسنات من يدخل شخصاً الإسلام، نفس الأمر تكرر فى تعامل بعض لاعبى فريقنا الوطنى لكرة القدم وعدد من الإعلاميين مع حضور مدير المنتخب الوطنى، الأرجنتينى الجنسية هيكتور كوبر، جزءاً من خطبة الجمعة مع اللاعبين وحرصه على الامتناع عن الأكل والشرب فى نهار رمضان فى حضرة اللاعبين، على أن المدرب سوف يشهر إسلامه، راقبوا كل خطوة وكل حركة للرجل وعقبوا عليها بالقول اقترب من اعتناق الإسلام، على خطوات من إشهار إسلامه، لم يتوقفوا أمام حرفية الرجل وأنه مدرب محترف يتعايش مع لاعبيه ويحرص على معايشتهم، لم يتوقفوا أمام حرص الرجل على الاندماج مع اللاعبين وتهيئتهم للمباراة التى أقيمت أمام تنزانيا وصعدت بالفريق إلى نهائيات كأس الأمم الأفريقية لأول مرة بعد غياب ثلاث مرات متتالية، لم يجدوا فى معايشة المدرب للاعبيه سوى أنه على وشك اعتناق الإسلام، وعندما كثر الحديث عن الموضوع اضطر الرجل لأن يعلن صراحة وعلى الملأ أنه لا يفكر فى اعتناق الإسلام وأن حضوره جزءاً من خطبة الجمعة وامتناعه عن الطعام فى نهار رمضان هو نوع من معايشة اللاعبين بصفته مدرباً محترفاً!!
آن الأوان لوقف حالة الهوس والتدين الشكلى والعمل وفق المبدأ الإيمانى الذى يقول «الإيمان ما وقر فى القلب وصدقه العمل» احتفظوا بالإيمان فى القلوب ولتكن أعمالكم دالة على ما فى قلوبكم من قيم ومبادئ، تعلموا وعلموا أولادكم أن من يختلف معكم ومعهم فى الدين أو المعتقد أو الحضارة ليس مشركاً ولا كافراً أو نجساً، تعلموا وعلموهم حب الناس على مختلف أديانهم، افتحوا قلوبكم وعقولكم لكلمات الرائع الراحل نيلسون مانديلا التى قال فيها «لا يوجد إنسان ولد يكره إنساناً آخر بسبب لون بشرته أو أصله أو دينه.. الناس تعلمت الكراهية، وإذا كان بالإمكان تعليمهم الكراهية إذن بإمكاننا تعليمهم الحب.. خاصة أن الحب أقرب لقلب الإنسان من الكراهية».
آن الأوان للتخلص من إرث التعصب والانغلاق والكراهية واستلهام قيم المحبة والتسامح والعيش المشترك واحترام المغاير والمختلف، تلك هى مصر التى نتطلع إليها، مصر المتوسطية المنفتحة على العالم التى احتضنت أصحاب مختلف الأديان، الطوائف، العقائد والمعتقدات على مر تاريخها وكانت ملاذاً آمناً للجميع من يهود (يوسف) ومسيحيى (السيد المسيح عندما كان طفلاً) ومسلمين (فى زمن الخلافة الأولى)، ولاحقاً كانت ملاذاً لكل باحث عن الأمن والأمان، فكانت ملاذاً آمناً لملوك ألبانيا، اليونان وإمبراطور إيران بعد خلعهم من السلطة، مصر العقلانية وقتها كانت ملجأ الباحثين عن العمل من الأوروبيين الذين كانوا يأتون فى المراكب (هجرة غير شرعية) بحثاً عن الأمن والأمان ولقمة العيش التى كانت متوافرة للجميع، مصر التى كانت تقوم بمعادلة شهادات كليات الطب لبعض الدول الأوروبية قبل أن تسمح لهم بممارسة المهنة على أراضيها، ولم يكن من حامل شهادة طب قصر العينى معادلة الشهادة فى أى مكان فى الدنيا، يوم أن كانت مصر متسامحة، منفتحة، عقلانية كانت بقعة مضيئة ونموذجاً يحتذى لكل ما يريد تعلم التحضر.

No comments:

Post a Comment