Translate

Wednesday, December 7, 2016

د. عماد جاد - حدود الحركة فى النظام الدولى صلاحيات القوى الكبرى - جريدة الوطن - 7/12/2016

تخضع العلاقات الدولية لقاعدة القوة، ومن ثم تلعب القوى الكبرى والمتوسطة فى النظام الدولى دوراً محورياً، فعلاقات الدول تحكمها القوة وتتحكم فى تفاعلاتها، وتكشف تجارب تاريخ العلاقات الدولية أن القوى المنتصرة فى الحروب الكبرى أو العالمية، عادة ما تقوم بصياغة المنظومة القانونية التى تحدد أساس التفاعلات الدولية، وقد حدث ذلك فى أعقاب كافة الحروب الكبرى فى النظام الدولى بدءاً من معاهدة صلح وستفاليا عام 1648 التى أنهت الحروب الدينية فى أوروبا، وصولاً إلى الأمم المتحدة التى صاغتها الدول المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية التى انتهت عام 1945 وأعطت للدول المنتصرة فى هذه الحرب مكانة مميزة تتمثل فى حق النقض أو الفيتو فى مجلس الأمن الدولى، مروراً بمعاهدة فيينا 1815 التى أنهت الحروب النابليونية ثم معاهدة صلح فرساى التى أنهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 وصاغت نظام عصبة الأمم. إذاً فالعامل الأساسى فى صياغة العلاقات الدولية وتفاعلاتها هو عامل القوة، وقديماً قال الرومان «القوة تخلق الحق وتحميه». وفق نفس المنطق نجد أن القوى الكبرى وحدها هى التى تقوم بإرسال قواتها خارج حدودها، سواء بالتوافق أو دونه، فمن خلال ما تتمتع به من قدرات شاملة تصنفها فى مرتبة عالية فى قمة هرم القوة فى النظام الدولى يمكنها أن ترسل قواتها إلى خارج حدودها سواء لدعم حليف أو حتى احتلال دولة صغيرة وربما متوسطة دون أن تخشى التدخل العسكرى الدولى ضدها. فى التاريخ المعاصر أرسل الاتحاد السوفيتى قواته لفض الانضباط الأيديولوجى فى المجر ثم تشيكوسلوفاكيا عام 1968، وفى عام 1979 أرسل قواته مرة ثانية لدعم حليفه فى أفغانستان ومن ثم كان الاحتلال السوفيتى لهذا البلد، وبالمثل تحركت الولايات المتحدة بحرية تامة فى أمريكا اللاتينية والوسطى وأرسلت قواتها أكثر من مرة لفرض الانضباط السياسى. فى الوقت نفسه كانت مناطق نفوذ القوى الكبرى أو مناطق جوارها محل احترام من قبل بعضها البعض، فعندما قررت موسكو إرسال صواريخ نووية إلى كوبا عام 1962، ردت واشنطن بعنف شديد وهددت بضرب منظومة الصواريخ السوفيتية فكان قرار موسكو بسحب الصواريخ حتى لا تدخل فى مواجهة مع الولايات المتحدة. وحديثاً أقدمت الولايات المتحدة على احتلال أفغانستان عام 2001 ثم العراق عام 2003 دون قرار من مجلس الأمن الدولى، بل إن الأخير أضفى شرعية على قوات الاحتلال. ولأن القائم بالاحتلال هنا قوة عظمى فإن القوى الكبرى الأخرى لم تطرح فكرة استخدام القوة ضد هذه القوة القائمة بالاحتلال والمخالفة لقواعد القانون الدولى، بل إن غاية ما أقدمت عليه هو إدانة هذا العمل سياسياً، ولم تستطع إدانته قانونياً لأن ذلك يتطلب استصدار قرار من مجلس الأمن الدولى، وهو أمر غير متصور نظراً لامتلاك القوى الخمس الكبرى المنتصرة فى الحرب العالمية الثانية حق النقض أو الفيتو، وهو الكفيل بإعاقة صدور أى قرار عن المجلس، فمجلس الأمن يتشكل من خمسة عشر عضواً من بينهم خمس دول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا الاتحادية، الصين، فرنسا، وبريطانيا) ويصدر إقرار بموافقة تسع دول على ألا ترفضه دولة دائمة العضوية، ويمكن أن نتصور حالة توافق فيها أربع عشرة دولة على قرار ما وترفضه دولة دائمة العضوية، وهنا لا يصدر القرار وهو ما حدث مع الراحل بطرس بطرس غالى عندما وافقت كل الدول الأعضاء على التجديد له لفترة ولاية ثانية كأمين عام للأمم المتحدة، ولكن الولايات المتحدة رفضت، فخرج الرجل من المنظمة الدولية وحل محله كوفى عنان.
السؤال هنا: ماذا عن الدول الصغيرة فى النظام الدولى، وما حدود الحركة المتاحة لها وهل لها أن ترسل قواتها خارج حدودها؟

No comments:

Post a Comment