Translate

Wednesday, December 21, 2016

د. عماد جادحصاد «أردوغان» المر - جريدة الوطن - 21/12/2016

جريمة قتل السفير الروسى فى العاصمة التركية أنقرة، وعلى يد شرطى تركى ينتمى إلى الحراسات الخاصة تُمثل أولى ثمار سياسة «أردوغان»، التى اتبعها وسعى عبرها إلى توظيف الدين فى خدمة طموحاته السياسية، فالشرطى قاتل السفير الروسى هتف بشعارات دينية عن الجهاد، وأعلن تضامنه مع «حلب»، وأن ما قام به إنما هو من أجل الانتقام لضحايا الصراع فى «حلب». السؤال هنا ما الذى يدفع شرطياً يعمل فى الحراسات الخاصة، ويبلغ الثانية والعشرين من العمر إلى ارتكاب جريمة قتل سفير دولة كبرى مثل روسيا والتضحية بذاته؟
الإجابة أنها الأيديولوجيا التى زرعها «أردوغان» فى عقول الأتراك، فالرجل خلط الدين بالسياسة، ووظّف الدين فى خدمة مشروعه السياسى، فهو يسعى إلى إعادة إنتاج دولة الخلافة العثمانية بثوب عصرى حديث، فقد فشلت جهود بلاده فى دخول الاتحاد الأوروبى، ومن ثم أراد أن يتولى زعامة أممية ووجدها فى إعادة إنتاج مشروع الخلافة. وشارك فى تنفيذ مخطط سيطرة جماعة الإخوان على السلطة فى عدد من الدول العربية، وهو المشروع الذى كان يراه يصب فى خدمة مشروعه الخاص، فسيطرة الجماعة تعنى سيطرة التنظيم الدولى الذى ينتمى إليه، وبما أن الجماعة تعتبر تركيا تحت قيادته نموذجاً للدولة الإسلامية الناهضة، فمنطقى أن يتولى فيها المشروع الأممى الإسلامى ممثلاً فى دولة الخلافة.
ومع سقوط حكم المرشد والجماعة فى مصر، جن جنون «أردوغان»، فقد تعامل مع سقوط حكم المرشد عبر ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ على أنها إجهاض لأحلامه فى دولة الخلافة، ومن ثم بدأ فى استضافة فلول الجماعة من شتى البلدان الإسلامية، واستضاف التنظيم الدولى للجماعة، وبدأ فى تكثيف استخدام وتوظيف الدين فى الحياة السياسية، كثّف من العلاقات مع قطر، ودخل طرفاً فاعلاً فى دعم تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام -داعش- وباتت بلاده ممراً آمناً للمتطرفين من شتى أنحاء العالم صوب سوريا، وتدخل مباشرة فى الصراع، كما تعاونت أجهزة مخابراته مع عواصم عربية، أبرزها «الدوحة» و«الخرطوم» من أجل نقل السلاح والمقاتلين إلى تنظيم داعش، وأعلن عداءه الشديد للنظام السورى. وتدريجياً بدأ «أردوغان» فى تديين المجال العام فى تركيا، ومن ثم انتشر التشدّد والتطرف، وباتت تركيا قبلة المتطرفين من كل حدب وصوب، كما باتت الملجأ الآمن لفلول الجماعات الإرهابية.
تأثر قطاع كبير من الرأى العام التركى بهذه الأجواء، وبدا المشهد واضحاً عقب الهجوم الإرهابى على صحيفة «شارلى إبدو» الفرنسية، فقد أدت مجموعة من الأتراك صلاة الغائب فى مسجد بإسطنبول على روح الأخوين «كواشى» اللذين شنّا الهجوم على الصحيفة الفرنسية الساخرة، وردّدوا هتافات مؤيدة لتنظيم القاعدة، وذلك فى حراسة الشرطة التركية التى تدخّلت فقط عندما أرادوا الخروج من المسجد للقيام بمسيرة فى شوارع المدينة. فقد تفاعل قطاع من الرأى العام التركى مع الخطاب الدينى الذى استخدمه «أردوغان» تجاه الأحداث فى عدد من الدول العربية والإسلامية، وتحديداً سوريا، ومن ثم كان منطقياً أن يحمل هذا القطاع من الرأى العام التركى الكراهية لروسيا الاتحادية التى تقاتل مع قوات النظام السورى، وقد تجلى ذلك بوضوح فى حثّ إسقاط المقاتلة الروسية، وقتل أحد طياريها. واستمر تأثر الرأى العام التركى بهذا الخطاب، فى وقت كان «أردوغان» قد غير فيه تحالفاته، ونسج شبكة جديدة من العلاقات مع روسيا الاتحادية قَبِل من خلالها لعب دور متوافق مع الرؤية الروسية التى تحارب الجماعات الأصولية التى تعاطف معها الرأى العام التركى بفعل الخطاب الإخوانى الأردوغانى، ومن هنا جاء قتل السفير الروسى، وجاء أيضاً قتل القاتل ليُغلق الملف مؤقتاً، ويدفن سر القاتل والخيوط التى تربطه، ربما مع تنظيم أكبر داخل مؤسسات الدولة التركية، وتحديداً الشرطة التى أصبحت إحدى أهم أدوات «أردوغان»، وتتقدم على الجيش لديه. وفى تقديرى أن الأمور لن تقف عند هذا الحد، فكل من لعب بهذه الورقة احترق بها فى النهاية، مهما كانت مهاراته وقدراته، فقد سبقه للاحتراق «السادات» و«نميرى»، كما أن قوى كبرى كالولايات المتحدة سبق ودفعت ثمن ذلك فى الحادى عشر من سبتمبر ٢٠٠١، فالقادم فى تركيا أسوأ، وما يزرعه المرء، إياه يحصد، وقد بدأ حصار «أردوغان» المر.

No comments:

Post a Comment