Translate

Sunday, December 11, 2016

د. عماد جاد - التجربة التونسية - جريدة الوطن - 11/12/2016

يحلو للبعض الحديث عن التجربة التونسية، باعتبارها من تجارب «الربيع العربى» الناجحة، يتحدّثون عن عقلانية الفرع التونسى لجماعة الإخوان، حركة النهضة، ويطيلون الحديث عن الأجواء الديمقراطية التى تسود تونس، والأوضاع الاقتصادية الجيّدة التى تمر بها البلاد، يقولون إن التجربة التونسية حقّقت تقدّماً لأن الجيش كان بعيداً عن السياسة، ولم يتدخّل فى مسار التجربة. وفى تقديرى أن التجربة التونسية مثلها مثل غيرها من تجارب الدول العربية التى عصفت بها أحداث «الربيع العربى» ولم تخرج من مأزقها المركب بعد، فالأوضاع الأمنية لا تختلف كثيراً عن الأوضاع الأمنية فى مصر، فالربيع التونسى أظهر على السطح وبقوة تياراً سلفياً جهادياً يريد العودة بالبلاد إلى قرون مضت، والفرع الإخوانى فى تونس، حركة النهضة تتلون وتُغير جلدها، لكن الجوهر واحد، وهو انتظار اللحظة المناسبة للقفز على السلطة منفردة، جربت ذلك فى الانتخابات الأولى التى جرت وفشلت فى الاستمرار، فعادت إلى الكمون الجزئى مجدداً، لحين قفز على السلطة من جديد، وتعرّضت تونس لعمليات إرهابية ضخمة ضربت شتى مناطقها، إضافة إلى تفجير أماكن سياحية مهمة تُعد مصدراً رئيسياً للدخل فى تونس. أما من الناحية الاقتصادية فالأوضاع لا تزال متدهورة للغاية، فالسياحة، وهى مصدر الدخل الأول فى البلاد تراجعت كثيراً بفعل اضطراب الأوضاع الأمنية، كما أن أعراض الربيع العربى، التى تمثلت فى استمرار الفوضى وتعطل الإنتاج ضربت تونس أيضاً.
طبعاً تتميز التجربة التونسية بوجود قطاع مدنى علمانى أقوى من نظيره فى البلدان العربية الأخرى، ويرجع ذلك بالأساس إلى الارتباط القوى بأوروبا وميراث الاستعمار الفرنسى، إضافة إلى تراث الرئيس التونسى الراحل الحبيب بورقيبة الذى أقدم على تجربة تحديث وتطوير وعلمنة تعد الأبرز فى الدول العربية، هذا الميراث لا يزال عصياً على محاولات التدمير، فقد كان «بورقيبة» أذكى من «أتاتورك»، فالأخير صاحب تجربة علمنة تركيا وتطويرها، لكن العلمنة التركية كانت مجرد قشور على السطح، إذ تكفلت الشوفينية التركية بوضع سقف لها، إضافة إلى وقوع النخبة العلمانية التركية فى شراك الإخوان الخداعية، فقد تركوا الجماعة تنمو وتتغلغل فى مؤسسات الدولة، إلى أن حان وقت السيطرة على السلطة بالانتخاب، ومن ثم تغيير المعادلة بالكامل وإزالة ميراث «أتاتورك». أما فى تونس فقد كانت تجربة «بورقيبة» فى التحديث والعلمنة أكثر عمقاً، ووصلت إلى قطاعات أوسع من المواطنين التوانسة، وباتت تونس نموذجاً يُحتذى فى التحديث والتطوير، على النحو الذى كان يجعلها بعيدة عن الاضطرابات والقلاقل، لكن يبدو أن رئيس تونس الأسبق «بن على» ونخبته السياسية لم تتمكن من الحفاظ على معادلة «بورقيبة»، إضافة إلى انتشار الفساد وزيادة معدلات الفقر، مما جعل تونس أول دولة عربية تضربها عواصف «الربيع»، وجاء فرار «بن على» إلى المملكة العربية السعودية ليُلهب خيال كل من تطلع إلى التغيير والتطوير، ففرار «بن على» السريع وترك السلطة بهذه السهولة ألهب حماس دعاة التغيير والإصلاح بعد أن أيقنوا أن السلطة والجاه والحرس وأجهزة الأمن الضخمة لم تحمِ «بن على» من السقوط، فكانت المظاهرات والاحتجاجات فى مصر، التى رفعت شعارات التغيير والإصلاح وتحقيق العدالة الاجتماعية، ثم تطورت إلى المطالبة بإسقاط النظام، فكان لها ما أرادت.
السؤال هنا: ما الذى يميز التجربة التونسية اليوم عن نظيرتها المصرية؟

No comments:

Post a Comment