Translate

Friday, December 9, 2016

د. عماد جاد - حدود الحركة فى النظام الدولى التزامات القوى الصغرى - جريدة الوطن - 9/12/2016

ذكرنا أن النظام الدولى، أى نظام دولى، فى أى مرحلة تاريخية يحدد إطار حركة القوى المختلفة كبيرها وصغيرها أيضاً، وإذا كان الخروج على قواعد اللعبة والأطر التى يحددها النظام الدولى، من قبل القوى الكبرى يمكن أن يقود إلى حرب فى قمة النظام، فإن خروج القوى الصغرى على هذه القواعد عادة ما يؤدى إلى تدمير مقدرات هذه القوة بشكل أو بآخر. ولعل القاعدة الذهبية التى تحكم مسار تفاعلات وحدات النظام الدولى من دول وغيرها (ما فوقها وما دونها) هى أن القوى الكبرى وحدها ترسل قواتها خارج حدودها ودون غطاء من المنظمة الدولية، أى الأمم المتحدة، وفى هذا السياق فإن القوى الصغرى فى النظام الطولى لا ترسل قواتها خارج حدودها إلا بالتوافق مع قوى كبرى توفر لها الحماية سواء عبر شل قدرة المنظمة الدولية على التدخل أو الإدانة من خلال استخدام حق الفيتو الذى تتمتع به فى مجلس الأمن أو عبر ضمان عدم تدخل القوى الكبرى الأخرى ضدها.
وتكشف تجارب التاريخ فى منطقتنا أن إقدام القوى الصغيرة على إرسال قواتها إلى خارج حدودها ضد رغبة وإرادة القوى الكبرى، عادة ما يكون بمثابة بداية النهاية لمشروع وطموح هذه الدولة، خذ على سبيل المثال تجربة محمد على فى مصر، فهذه التجربة الرائدة فى نهضة مصر تواصلت إلى أن قرر محمد على اللعب بمفرده وإرسال قواته وأسطوله خارج حدوده إلى حدود أوروبا، هنا كان اتفاق الدول الأوروبية الكبرى على ضرورة ضرب هذه التجربة وإنهاء مغامرة محمد على، فكانت الحرب التى تحالفت فيها أساطيل أوروبا ضد الأسطول المصرى وكانت الهزيمة التى مثلت نهاية مشروع محمد على عبر فرض اتفاق تقزيم قواته.
الحالة الثانية كانت مع «عبدالناصر» الذى كان يمثل قيادة رئيسية من قيادات دول العالم الثالث وأحد أبرز زعماء حركة التحرر الوطنى، الذى شارك مع الرئيس اليوجوسلافى تيتو ورئيس وزراء الهند جواهر لال نهرو فى تأسيس حركة عدم الانحياز بين الشرق والغرب. فقد بدا واضحاً أن الرجل لم يستوعب دروس التاريخ جيداً، ومن ثم بدأ موجة التحرر الوطنى لتصفية الاستعمار فى المنطقة وفى أفريقيا ككل، فاصطدم بالفرنسيين وكان العدوان الثلاثى عام ١٩٥٦، ونجح فى الصمود وتعزيز التجربة إلى أن اتخذ قرار إرسال قواته إلى اليمن، هنا وقع فى الخطأ الجوهرى والقاتل وهو أن دولة صغيرة بمقاييس القدرة الشاملة فى النظام الدولى تقرر إرسال قواتها خارج حدودها رغماً عن القوى الكبرى وتحديداً الولايات المتحدة والقوى الأوروبية المختلفة، وكان هذا القرار بداية النهاية للمشروع الناصرى، فقد تعاونت الولايات المتحدة مع قوى إقليمية محافظة على رأسها المملكة العربية السعودية لضرب القوات المصرية وإلحاق الهزيمة بها، واكتمل المشهد بشن إسرائيل عدوانها الشامل فى الخامس من يونيو ١٩٦٧، وكان ذلك السطر الأخير فى المشروع الناصرى.
وفى تقديرى أن المشهد يتكرر اليوم من قبل المملكة العربية السعودية، تلك الدولة التى اعتمدت على الحماية الغربية بالأساس (الإنجليزية ثم الأمريكية) إلى أن رأت فى التطورات الإقليمية بعد ما سمى بالربيع العربى أنها باتت مركز القوة الإقليمى، وتحديداً بعد رحيل الملك عبدالله، وتقلد الملك سلمان، ومن ثم جاء القرار بالتدخل فى سوريا ودعم الجماعات المتطرفة لإسقاط نظام الرئيس السورى بشار الأسد، ثم قرار إرسال قواتها جنوباً إلى اليمن لمقاتلة الحوثيين، دون تنسيق كامل مع القوى الغربية ودون خبرات كافية لكسب معركة من هذا النوع. وجاء وقت اعتبرت فيه الأهداف السعودية فى سوريا غير مشروعة وعجزت فى الوقت نفسه عن كسب المعركة فى اليمن، هنا وقعت المملكة فى المحظور التاريخى وتجاوزت حدود الحركة التى يسمح بها النظام الدولى لمثيلتها من الدول الصغيرة، وتلك هى معضلة المملكة اليوم.

No comments:

Post a Comment