Translate

Monday, December 12, 2016

د. عماد جاد - التجربة التونسية (٢) - جريدة الوطن - 12/12/2016

قلنا إن للتجربة التونسية بعضاً من سمات خاصة، لكنها لا تخرجها عن السياق العام للتفاعلات الجارية فى العالم العربى، ذلك العالم الذى يخرج عن سياق الديمقراطية وفق المعايير الغربية، فمن بين ٢٢ دولة عربية لا توجد واحدة يمكن وصفها بالديمقراطية، بعضها يكتسب بعضاً من ملامح الديمقراطية، مثل: التعددية السياسية والانتخابات الحرة أو شبه الحرة أو تداول مدار للسلطة، أما التجربة اللبنانية فهى تجربة خاصة جداً وتمثل نموذجاً غير قابل للتكرار من تقاسم دينى/ طائفى للسلطة.
ما أصبح يميز التجربة التونسية مؤخراً هو إقدام قطاع معتبر من النخبة السياسية والإعلامية التونسية على تركيز نشاطهم بالكامل على الهجوم على مصر ونظامها، فقد شاهدت على «مواقع التواصل الاجتماعى» مذيعاً تونسياً شاباً خصص من مقدمة برنامجه ١٢ دقيقة بالكامل للإساءة للرئيس المصرى عبدالفتاح السيسى وتوجيه شتى الاتهامات لرئيسنا، وبدا وكأن تجربة تونس تنجح بالتهجم على مصر، أو إظهار نجاح التجربة التونسية بالهجوم على مصر ونظام الحكم فيها.
الأسبوع الماضى شاركت فى ندوة الحوار العربى العربى ببيروت، وكان موضوع الندوة العلاقة بين السلطة والمجتمع فى العالم العربى، وتناولت التجربة المصرية بالشرح والتفصيل، وربطت بين درجة تطور المجتمع من حيث المستويات الاقتصادية والاجتماعية وبين طبيعة العلاقة مع السلطة، وقلت بوضوح إن تحقيق معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية والاجتماعية سوف يعمل على إعادة التوازن فى علاقة السلطة بالمجتمع، ارتفاع معدلات الدخل وزيادة مساحة الطبقة الوسطى وارتفاع معدلات التعليم سوف يدفع إلى إعادة صياغة هذه العلاقة على نحو يحقق التوازن، وشرحت بالتفصيل ما يجرى فى مصر ولم أتطرق إلى أى دولة أخرى فى المنطقة. فوجئت بأن الزميل التونسى صلاح الدين الجروشى فى الجلسة التالية يقول إنه بعد الاستماع إلى ورقتى قرر أن يلغى ورقته ويخصص الوقت المتاح له (عشرين دقيقة) للرد على ما قلته عن التجربة المصرية. اجتهد الرجل فى محاولة تقديم التجربة التونسية على أنها التجربة الديمقراطية الوحيدة فى المنطقة والتجربة الأنجح فى دول الربيع العربى، وله أن يقول فى ذلك ما شاء، وأن يقدم حركة النهضة (الفرع التونسى لجماعة الإخوان) باعتبارها حركة مدنية ديمقراطية تحترم الحريات والحقوق. لكنه فى الوقت نفسه خصص جل الوقت للإساءة للتجربة المصرية، والحديث عن دور الجيش المصرى فى تأميم المسار الديمقراطى، والحديث عن سجن الشباب وأصحاب الرأى، ومحاولة إظهار الأوضاع فى مصر على أنها سجن كبير.
هنا طلبت منحى الوقت الكافى للرد وكان ردى بسيطاً، أن الزميل التونسى أضاع وقته فى الهجوم على التجربة المصرية، مثله مثل مذيع تليفزيون بلاده الذى أضاع وقت مشاهديه فى التهجم على الرئيس المصرى ولم يخصصه لمشاكل شعبه وقضايا بلاده، طلبت منه بشكل واضح ألا يشغل نفسه بالتجربة المصرية وأن ينشغل أكثر بتجربة بلاده التى يقول إنها ناجحة، قلت له لنا تجربتنا فى عملية البناء والإصلاح، نحن لا نشغل أنفسنا بغيرنا اللهم إلا إذا كانت هناك تجربة ناجحة فنستفيد ونتعلم منها، نجاح تجربتنا يعتمد على نضالنا الداخلى لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ثم السياسية، ولا أظن أن من مؤشرات نجاح تجربة تونس، شن الهجوم على مصر وتجربتها. أتمنى من أعماق قلبى نجاح التجربة التونسية، وأقدر وأحترم قيادات تونس الذين اختارهم الشعب التونسى، وفى نفس الوقت لا أقبل التطاول على تجربة بلادى وقيادتها التى اختارها الشعب المصرى، أرجوكم أن تركزوا فى تجربتكم وتكفوا عن التطاول على تجربتنا وقيادتنا الوطنية.

No comments:

Post a Comment