Translate

Saturday, December 3, 2016

د. عماد جاد - «خدش» هوية مصر (٢) - جريدة الوطن - 3/12/2016

خرج الشعب المصرى فى الثلاثين من يونيو لاسترداد هوية مصر الوطنية، وتحقق له ما أراد عبر الإطاحة بحكم المرشد والجماعة، وتخلصت مصر من محاولات طمس هويتها الوطنية لحساب هوية بدوية صحراوية، وعادت البسمة مجدداً إلى شفاه المصريين، ولكن ذلك لم يكن يعنى انتهاء مخططات أو محاولات استهداف الهوية المصرية، بوعى أو بدون وعى، بوعى من خلال خطة ممنهجة تتبعها الجماعة ورفاقها على النحو الموجود فى أدبياتهم التى صاغها بوضوح ميثاق حركة «حماس»، الفرع الفلسطينى للجماعة، فمن يقرأ ميثاق الحركة الصادر عام ١٩٨٩ سوف يرصد بسهولة مخططات طمس الهوية الوطنية لحساب هوية بدوية صحراوية من حيث المظهر والجوهر.
فى سنة حكم المرشد والجماعة خرجت أصوات من الحركة السلفية تطالب بهدم الآثار المصرية، ميراث الأجداد الذى يأتى السياح من مختلف أنحاء العالم لمشاهدته، طالبوا بهدمه أو تغطيته بالشمع حتى لا يفتتن به الناس ويعبدوه من دون الله، خرجت أصوات تطالب بتحريم الفن بكافة أنواعه بما فيه غذاء الروح (الموسيقى). خرجت أصوات تطالب بتقييد حرية المرأة والانتقاص من حقوقها وفق ما يقول آباء السلفية والوهابية، وعكس ما تقول به الحضارات الإنسانية العريقة، وفى القلب منها الحضارة المصرية التى بجّلت المرأة وقدّرتها ومنحتها مكانة مساوية للرجل وأوصلتها إلى أعلى المراتب القيادية فى البلاد.
رحل المرشد وجماعته عن السلطة وهرب قادتها إلى خارج البلاد، وبقى فكرهم لدى قطاعات من المصريين، بقى فكرهم لدى خلايا عادت للنوم مجدداً داخل هياكل الدولة ومؤسساتها لا سيما البيروقراطية، بقى فكرهم لدى شخصيات تربّت على أفكارهم ومقولاتهم وعادات الصحراء التى جعلوا منها تقليداً ينبغى أن يُتبع، بقى فكرهم عبر النفوذ الذى يلعبه الفكر السلفى الوهابى على قطاعات من المصريين ترى أن ما يقول به قادة الفكر الوهابى ينبغى أن يُتبع وما يفتون به فى بيئة صحراوية قاحلة يصلح لمصر الحضارة والمدنية.
فى هذا السياق نفهم ما جرى فى اجتماع اللجنة الدستورية والتشريعية فى مجلس النواب المصرى من سجال حول «خدش الحياء العام»، وما صدر على لسان أحد أعضاء اللجنة من تطاول على أيقونة مصر فى مجال الرواية الراحل العظيم نجيب محفوظ، فقد جاء على لسان عضو مجلس نواب مصرى أن أدب الراحل العظيم الفائز بجائزة نوبل فى الآداب يمثل خدشاً للحياء العام وأن أديبنا الكبير لو كان على قيد الحياة لتم تقديمه للمحاكمة بتهمة خدش الحياء العام. لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل خرج الرجل فى الفضائيات مكرراً ما قاله فى لجنة الشئون الدستورية والتشريعية، مدافعاً عما وجّه من اتهامات للأديب نجيب محفوظ. وفى تقديرى أن الرجل يعبّر عن تيار موجود فى مصر يكره هوية مصر الفرعونية، ويراها هوية ملحقة بالحجاز، ينبغى أن يتم تطويع الهوية المصرية لتكون جزءاً من الهوية البدوية الصحراوية، وأن تتخلى مصر الحضارة عن هويتها الوطنية وترتدى رداء وهابياً سلفياً، وإذا كان هناك من يعمل من أجل ذلك بوعى تمام ووفق مخطط مدروس، فإن هناك أيضاً من بات أسيراً للفكر الوهابى ويعمل من أجل طمس هوية مصر الوطنية دون أن يكون جزءاً من المخطط.
فى تقديرى أنه رغم فشل مخطط الجماعة فى تغيير هوية مصر الوطنية، فإن ما يجرى اليوم من استهداف لهذه الهوية يمثل محاولات بائسة لتشويه هذه الهوية عبر استخدام تعبيرات مثل «الإساءة إلى الأديان» و«خدش الحياء العام» وهى تعبيرات مطاطة ترمى إلى «خدش الهوية المصرية» بعد أن فشلت محاولات طمسها وتغييرها.

No comments:

Post a Comment