Translate

Saturday, December 10, 2016

د. عماد جادقرار يفتقد المنطق - جريدة الوطن - 10/12/2016


منطقة الشام بصفة عامة، وسوريا بصفة خاصة، تعد امتداداً للعمق الاستراتيجى المصرى، وفى زمن أجدادنا الفراعنة كانت منطقة الشام جزءاً من مناطق النفوذ المصرى، وفى فترات قوة للدولة المصرية كانت مصر تعين حكاماً موالين لها فى هذه المناطق، وفى كلية اقتصاد والعلوم السياسية تعلمنا على يد العلامة الراحل الدكتور عز الدين فودة أن أجدادنا الفراعنة كانوا يقومون بحملتين عسكريتين على منطقة الجوار الشمالى الشرقى، مرة فى الصيف وأخرى فى الشتاء من أجل تكسير أى قوة تظهر فى مهدها حتى لا تنمو وتكبر وتمثل تهديداً استراتيجياً على مصر التى طالما تعرضت للغزو من مدخلها الشمالى الشرقى. من هنا جاء الاهتمام المصرى تاريخياً بمنطقة الشام ولم تتغير رؤية أن هذه المنطقة تمثل عمقاً استراتيجياً للأمن القومى المصرى.
لذلك كان منطقياً أن ترى مصر أن الأمن والاستقرار فى تلك المنطقة يساهم فى حفظ أمن مصر واستقرارها، ولم يأت الاهتمام المصرى بالقضية الفلسطينية من مجرد البعد العربى فقط، بل جاء أيضاً من منطلق الرؤية الاستراتيجية للأمن القومى المصرى، وفى هذا السياق جاءت الوحدة المصرية السورية عام ١٩٥٨ من قلب هذه الرؤية.
لذلك كان غريباً على الرؤية المصرية أن يأتى وقت تنظر فيه القيادة المصرية إلى ما يجرى فى سوريا من منطلق طائفى، وذلك فى سنة حكم المرشد والجماعة، فقد كان غريباً على الرؤية الاستراتيجية المصرية أن يعلن الجهاد ضد النظام السورى من القاهرة، وهو الأمر الذى سبب اضطراباً شديداً لدى المصريين سرعان ما تغير بعد ثورة الثلاثين من يونيو ٢٠١٣ حيث تلاشت الرؤية الطائفية برحيل المرشد والجماعة عن حكم مصر، وعادت الرؤية المصرية إلى منطلقها الاستراتيجى التاريخى، التى تعطى الأولوية لوحدة الأراضى السورية، وترى أن الحل الوحيد هو الحل السياسى، وأن قضية لا تتوقف عند شخص الرئيس السورى بقدر ما تخص سوريا الدولة، وأيضاً التصدى للجماعات الإرهابية المسلحة التى تقاتل النظام السورى، وهى الرؤية التى تستوعبها قيادات بعض الدول العربية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية التى انطلقت من حسابات شخصية وطائفية، ومن ثم كان الصدام الدبلوماسى المصرى السعودى على خلفية قرار القاهرة بالتصويت لمصلحة القرار الروسى فى مجلس الأمن الدولى، الذى يرفض أى هدنة ما لم تكن مصحوبة بانسحاب المقاتلين المسلحين، وقد تمسكت مصر بموقفها النابع من رؤيتها الاستراتيجية التاريخية، ولم تتراجع عن هذا الموقف رغم القرارات السعودية الانفعالية التى شملت تجميد الاتفاق التجارى بإمداد مصر بالبترول.
فجأة تقدمت مصر بمشروع قرار مع إسبانيا ونيوزيلاندا يطالب بوقف إطلاق النار فى حلب لمدة أسبوع دون ربط ذلك بانسحاب المجموعات المسلحة التى تقاتل الجيش السورى، وكانت ترى سوريا ومعها موسكو وبكين أن القرار يعطى فرصة للجماعات المسلحة لترتيب صفوفها من جديد والحصول على السلاح القطرى والسعودى من أجل مواصلة القتال، ومن ثم كان منطقياً أن ترفض سوريا مشروع القرار وتجهضه موسكو وبكين باستخدام حق النقض -الفيتو- فى مجلس الأمن. وفى تقديرى أن القرار المصرى بتقديم مشروع القرار المشترك مع إسبانيا ونيوزيلاندا يفتقد للمنطق ويخرج عن السياق العام للرؤية المصرية لما يجرى على الأراضى السورية من ناحية، ويصطدم بالرؤية المصرية التاريخية، كما أن الموقف المصرى أصاب الحكومة السورية بالاضطراب وأغضب موسكو وبكين فى وقت نتوافق فيه تماماً مع رؤية هذا المعسكر ونتطلع إلى تطوير العلاقات مع دول هذا المعسكر فى كافة المجالات، ومن ثم لا بد من إعادة النظر سريعاً فى مثل هذه المواقف ودراستها جيداً قبل اتخاذ قرار، حتى لا توصف مواقفنا وقراراتنا بالتناقض.

No comments:

Post a Comment