Translate

Monday, December 19, 2016

د. عماد جاد - أين الدولة؟ - جريدة الوطن - 20/12/2016

يتواصل تحريض المتشددين من رجال الدين لمنع تبادل التهانى بين المصريين فى المناسبات الدينية المسيحية، منهم من توقف عند عدم جواز التهنئة، ومنهم من كال السباب إلى الرموز المسيحية والاجتماعية المرتبطة ببعض المناسبات الدينية، مثل شخصية «بابا نويل» و«شجرة الميلاد»، حيث أفتى بتحريمها. منهم من ارتكب جرائم ازدراء المسيحية عند التعرّض للتحريم، حيث شدّد على عدم التشبّه بالكفار، وأن المسيحيين يحتفلون بعيد ميلاد المسيح فى توقيت خطأ، حيث يحتفلون به فى الشتاء، بينما هو ولد -حسب اعتقادهم- فى الصيف. لم يتوقف هؤلاء عن الإفتاء فى قضايا تخص المسيحية، مثل توقيت ولادة المسيح، ولم يبادر أحد بمحاسبة هؤلاء على تجاوزاتهم وتجاوبهم، لا سيما أنهم شخصيات معروفة وتظهر على وسائل الإعلام المختلفة.
كنا ننتظر من مؤسسة الأزهر أن تبادر بالتصدى إلى هؤلاء المتشدّدين، وتقدم رؤيتها الوسطية التى ترفض الإساءة إلى أديان ومعتقدات مواطنين مصريين، كنا نتمنى من مؤسسة الأزهر أن تبادر بالتصدى لهؤلاء عبر تأكيد عدم جواز الإساءة إلى الأديان والمعتقدات، والتشديد على وحدة المصريين وتلاحمهم. ما حدث أن دار الإفتاء تصدّت للمهمة وأصدرت فتوى تبيح جواز تهنئة غير المسلمين بشرط استخدام مصطلحات لا تخالف الشريعة الإسلامية، وهى فتوى أثارت من الجدل أكثر مما حسمت السجال الدائر، فما معنى بما لا يخالف الشريعة الإسلامية، هل معنى ذلك استخدام مفردات إسلامية فى التهنئة، أم أن المقصود هو أن التهنئة تكون بما لا يخالف شرع الله، على غرار ما أضاف تيار الإسلام السياسى إلى قَسَم الولاء للبلاد عند بدء دورة مجلس الشعب السابق. فى تقديرى أن الهدف من إضافة «بما لا يخالف الشريعة الإسلامية» الواردة فى فتوى دار الإفتاء هو النص على جواز التهنئة فى مناسبات وعدم جوازها فى مناسبات أخرى حسب الشريعة الإسلامية، فالفتوى تبيح التهنئة بعيد الميلاد، لأنه لا خلاف على ميلاد السيد المسيح، وإن ظل الاعتراض على توقيت الميلاد، فكل الطوائف المسيحية تُجمع على ميلاد المسيح فى الشتاء، فى حين يتحدّث بعض رجال الدين الإسلامى عن ولادة المسيح فى الصيف. وتعنى فتوى دار الإفتاء عدم جواز التهنئة بعيد القيامة، لأنها قضية خلافية، حيث لا صلب ولا قيامة فى العقيدة الإسلامية، بل تم رفع المسيح إلى السماء.
نحن لسنا فى مجال السجال بين الأديان والعقائد، فهذه قضية إيمانية تخص أتباع كل ديانة، ولا فائدة من السجال على أرضية دينية، بل نحن نتحدث عن تعايش أبناء بلد واحد، ينحدرون فى غالبيتهم الساحقة من الأصل العرقى نفسه، حيث كشفت دراسات جينية عن أن أكثر من ٩٨٪ من المصريين ينحدرون من أصل عرقى واحد، فهم جميعاً أقباط، أى مصريين، تحولوا فى مرحلة تاريخية إلى المسيحية، وتحولت الغالبية فى مرحلة تاريخية تالية إلى الإسلام. والأصل فى علاقة البشر هو التعايش والحياة المشتركة بغض النظر عن الاختلافات، وعندما يتبادل البشر التهانى فى مناسبات مختلفة فهم لا ينطلقون من إطار دينى أو عقيدى، بل من أرضية إنسانية، ومن هنا يتبادَل البشر التهانى مع الآخرين وفق طبيعة المناسبة، ولا يعنى تهنئتى للآخر فى مناسبته الدينية أننى أشاركه اعتقاده أو أننى أؤمن بما يؤمن به، فقط أقدم له التهنئة، وأتمنى له السعادة والخير كإنسان. وفى هذا السياق فإننى أقدم التهنئة لكل البشر فى مناسباتهم الدينية والاجتماعية، ولا أجد فى ذلك ما يجرح عقيدتى أو إيمانى، فنحن لا نقدم التهانى لبعضنا البعض من منطلق دينى، بل إنسانى، وإذا حسبنا التهنئة قبل تقديمها من منطلق دينى أو عقيدى، فلن نتبادل التهانى إلا مع المشابه لنا دينياً أو طائفياً، وفى تديين التهانى ضرب لفكرة الوطن والوطنية والعيش المشترك بكل ما يعنى ذلك من تنوع وتعدّد واختلاف.

No comments:

Post a Comment