Translate

Wednesday, December 14, 2016

تآكل فى السبيكة الوطنية - د. عماد جاد - وتتواصل جرائم الجماعة (٢) - جريدة الوطن - 14/12/2016

تعد جريمة التفجير الانتحارى داخل الكنيسة البطرسية تطوراً نوعياً فى عمليات الجماعة الإرهابية داخل البلاد، فهذه أول مرة فى تاريخ مصر تجرى عملية داخل كنيسة، تفجير كنيسة القديسين الانتحارى ليلة رأس سنة ٢٠١١، كان خارج الكنيسة بالقرب من أبوابها الخارجية، كما أن القائم بالعمل الانتحارى مصرى من محافظة الفيوم، وكان عضواً من خلايا الجماعة المسلحة، وسافر إلى السودان ومنها إلى شمال سيناء حيث انضم للدواعش هناك.
نعم نوافق السيد الرئيس فى القول بأن ما حدث هو ضربات يأس وإحباط من قبل الجماعة بعد تهاوى حلم العودة لحكم مصر عبر الضغط بالتظاهرات وأعمال العنف والإرهاب ضد الشخصيات العامة وأفراد الشرطة والجيش، نعم أصابهم إحباط كبير بسبب مرور الحادى عشر من نوفمبر الماضى دون أن تندلع الثورة الشعبية التى راهنوا عليها وبشروا بها، نعم أصابتهم صدمة شديدة بعد سقوط هيلاى كلينتون فى انتخابات الرئاسة الأمريكية وفوز منافسها وخصمهم دونالد ترامب، نعم أصابهم الغضب الشديد من رفض الشعب المصرى لهم ورفضه القاطع للحديث عن أى مصالحة مع الجماعة.
نعم للاستنتاج العام الذى وصل إليه الرئيس فى أن الجماعة تراهن عبر هذه الأعمال الإرهابية على إثارة الانقسام والفتنة بين المصريين على أساس دينى، وأن تلاحم السبيكة الوطنية بصفة عامة، أو ما تبقى من تلاحم فى هذه السبيكة حال دون التعامل مع الجريمة من على أرضية دينية، بل جرى التعامل معها من على أرضية وطنية خالصة، لكن يجب ألا يغفلنا المشهد الوطنى العام وأجواء الحزن التى سادت البلاد وشعور غالبية المصريين المسلمين بالغضب الشديد من هذه الجريمة النكراء ومشاطرتهم إخوانهم الأقباط فى الحزن العام، يجب ألا يغفلنا هذا المشهد العام عن ملاحظة وتأمل ما أصاب السبيكة الوطنية من تآكل، ملاحظة أن هناك سوساً ينخر فى عظام هيكل المجتمع المصرى، عليك أن تلاحظ سيادة الرئيس ويلاحظ الفريق العامل معك ومن يقومون بتقديم التقارير لك أن هناك سوساً ينخر فى عظامنا جميعاً، وقد كشفت الجريمة النكراء الأخيرة عن وجوه كانت معروفة وأخرى منتشرة فى مجتمعنا هى أشبه بالسوس الذى ينخر فى الهيكل العظمى للسبيكة الوطنية التى نتغنى بها، ومن ثم فهى لم تعد كذلك وتعرضت لتآكل وتشوه. لاحظ سيادة الرئيس أن مواقع التواصل الاجتماعى تحفل بمشاركات من مصريين تحتفل بالجريمة وتعتبرها نوعاً من الجهاد ضد «الكفار»، لاحظ سيادة الرئيس أن هناك شريحة كبيرة من المجتمع المصرى دخلت فى سجال حول: هل يجوز إطلاق صفة شهداء على الضحايا أم لا؟ وهناك قطاع كبير قال لا، لاحظ سيادة الرئيس وليسجل لك من يكتب التقارير أن سيدة خمسينية كانت تحتفل فى منطقة الحسين بالقاهرة القديمة بالتفجير وكانت ملامح وجهها تشع بالبهجة والسعادة ولسانها يعبر عن ذلك، بهجة وسعادة ورقص على أشلاء ضحايا أبرياء كانوا يعبدون ربهم فى هدوء وسكينة، ويطلبون من الرب فى صلواتهم اليومية أن يحفظ «بلادى ويملأها بالخير». لاحظ سيادة الرئيس أن نائب رئيس الدعوة السلفية التى يمثلها حزب النور وله أحد عشر مقعداً فى مجلس النواب وتحرص سيادتك على دعوة ممثلين عنه فى كل المناسبات، هذا الشخص ويدعى ياسر برهامى خرج ليكرر كلاماً ليس بجديد، ولكن هذه المرة قبل دفن جثامين الضحايا، خرج ليقول إنهم فى النار لأنهم كفار!!!
سيادة الرئيس نؤمن برؤيتك تجاه السبيكة الوطنية ويشاطرك قداسة البابا تواضروس الرؤية ذاتها، لكن علينا جميعاً أن نعرف أن هناك سوساً ينخر فى الهيكل العظمى للسبيكة الوطنية، يتمثل فى مناهج تعليم مغرقة فى نشر التطرف والتشدد، خطاب دينى يدعو على المخالف بالهلاك، رجال دين ينشرون التطرف والتعصب، بيروقراطية دبَّ فيها الفساد وتغلفه عادة بمظهر تدين شكلى، قطاع من المصريين بات كارهاً للآخر الوطنى، ويرى الخلاص منه بالقتل أو التهجير مهمة مقدسة سوف يثاب عليها.
سيادة الرئيس، نحن فى حاجة ماسة لرؤية شاملة فى التعامل مع التعصب والتطرف والكراهية، التى تمثل البطانة الوجدانية للعنف والإرهاب.

No comments:

Post a Comment