Translate

Sunday, December 25, 2016

د. عماد جاد - ذكاء وواقعية دبلوماسية - جريدة الوطن - 25/12/2016

أعدت مصر والمجموعة العربية مشروع قرار لتقديمه إلى مجلس الأمن الدولى من أجل تجميد الاستيطان الإسرائيلى فى الأراضى العربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، ووصف الاستيطان بالجريمة، كما يقول القانون الدولى، ثم تراجعت مصر عن تقديم مشروع القرار، بعد أن أعلن الرئيس الأمريكى المنتخب دونالد ترامب أن الولايات المتحدة سوف تستخدم حق النقض أو الفيتو، لمنع صدور القرار، صحيح أن «أوباما» هو المسئول حتى العشرين من يناير المقبل، ومن ثم فهو من يوجّه الخارجية الأمريكية إلى التصويت فى مجلس الأمن، إلا أن الصحيح أيضاً أن إدارة «ترامب» سوف تتسلم مقاليد السلطة فى العشرين من يناير المقبل، ولمدة أربع سنوات يمكن أن تتكرّر فى دورة ثانية، ومن ثم فإن التفكير المستقبلى والنظرة بعيدة المدى كانت تقول بالتعامل مع إدارة «ترامب» الجديدة، لا إدارة أوروبا، التى تبقى لها فى البيت الأبيض نحو أربعة أسابيع لا غير. فى الوقت نفسه فإن إدارة «أوباما» قضت فى البيت الأبيض ثمانى سنوات، كانت سنوات كارثية على عالمنا العربى، فهذا الرجل الذى بدأ عهده بزيارة مصر وألقى خطاباً ودوداً للغاية فى جامعة القاهرة، وتعهد بحل القضية الفلسطينية وطعّم خطابه بآيات من القرآن، سرعان ما بدأ فى تنفيذ مخطط هدم الدول العربية الكبيرة وتحديداً سوريا، وحاول استكمال هدم العراق، ولم يتمكن من تنفيذ مخططه فى مصر، حيث أطاح الشعب المصرى بالمؤامرة الكبرى فى الثلاثين من يونيو، هذا الرجل أشرف على خلق وتشكيل تنظيم الدولة الإسلامية فى العراق والشام (داعش)، تركها تترعرع، تحالف مع السعودية وقطر وتركيا من أجل إمداد «التنظيم» بالمال والرجال والسلاح، حاول عرقلة مسيرة الشعب المصرى بعد ٣٠ يونيو، وبذل جهداً هائلاً فى هذا الاتجاه. الأكثر أهمية من كل ذلك أن «أوباما» لم يتخذ طوال سنوات حكمه الثمانى أى خطوة أو قرار لتسوية القضية الفلسطينية، لم يصوت مندوبه فى مجلس الأمن مرة واحدة لصالح قرار فلسطينى، لم يتخذ يوماً ما قراراً بإدانة الاستيطان أو طالب بوقفه، لم يُحرّك ساكناً طوال ثمانى سنوات لكبح جماح الاعتداءات الإسرائيلية. أكثر من ذلك، حتى القرارات التى صدرت عن الأمم المتحدة طوال السنوات الماضية ظلت حبراً على ورق، لأن الولايات المتحدة لم تعمل على تنفيذ أىٍّ من هذه القرارات.
إذن القضية ليست قضية قرارات تصدر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، فهناك القرار ١٨١ لسنة ١٩٤٧ الخاص بتقسيم أرض فلسطين بين العرب واليهود، الذى انتهكته إسرائيل وسيطرت على مثلى المساحة التى تعطيها إياها هذه القرارات الصادرة عن مجلس الأمن سابقاً، فهناك على سبيل المثال لا الحصر، القرارات الخاصة بالقدس الشرقية كأرض محتلة، ومنها القراران ٢٤٢ و٣٨٣ الصادران عامى ١٩٦٧ و١٩٧٣، اللذان يطالبان إسرائيل بالانسحاب من الأراضى التى احتلتها فى عدوان يونيو ١٩٦٧، بقيت هذه القرارات حبراً على ورق لأن القوى الكبرى، وعلى رأسها واشنطن، لم تتحرك لتنفيذ هذه القرارات.
القضية هى بناء شبكة من العلاقات مع القوى الكبرى من أجل تطوير العلاقات الثنائية من ناحية، وتوظيف هذه العلاقات لخدمة القضايا المصيرية، كالقضية الفلسطينية وقضايا ليبيا وسوريا واليمن وغيرها. لكل ذلك، وبنظرة مستقبلية تتعلق ببناء شبكة متطورة من العلاقات مع إدارة «ترامب»، فضّلت مصر تأجيل تقديم مشروع القرار إلى حين تتسلم إدارة «ترامب» مقاليد السلطة فى العشرين من يناير المقبل، ثم التباحث معها من أجل إبرام تسوية سياسية على النحو الذى ورد فى مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى التى أطلقها من مدينة أسيوط قبل نحو أربعة أشهر.
ما حدث هو أن إدارة «أوباما» -فى مسعى منها لإحراج الموقف المصرى والسير عكس الاتجاه الذى دعا إليه «ترامب» شخصياً- أصدرت تعليماتها إلى مندوبها فى مجلس الأمن بالامتناع عن التصويت، أى عدم استخدام حق النقض، وهو الأمر الذى دفع مصر إلى الموافقة على القرار، ومن ثم صدر بموافقة ١٤ دولة وامتناع واشنطن عن التصويت، ولا بد أن نلاحظ أن القرار ينص فى الوقت نفسه على مطالبة الجانب الفلسطينى بوقف التحريض والعنف ضد إسرائيل، وهو تعبير يصف المقاومة المسلحة للاحتلال بالعنف المطلوب وقفه، هذا بالإضافة إلى أن قراراً صدر وإدارة «أوباما» تحزم حقائب الرحيل عن البيت الأبيض وتستعد إدارة «ترامب» لتسلم المهام، وهو أمر أتصور أن الدبلوماسية المصرية تعاملت معه بذكاء وواقعية، فقد تجاوبت مع مطلب «ترامب»، الأمر الذى يضع أساساً لعلاقات جيّدة بين «القاهرة» و«واشنطن» بعد سنوات «أوباما» العجاف.

No comments:

Post a Comment