Translate

Thursday, December 15, 2016

د. عماد جادكيف ولماذا يصير الإنسان متطرفاً؟ - جريدة الوطن - 16/12/2016

يعد التطرف آفة من الآفات الكفيلة بتفتيت وتدمير أى مجتمع من المجتمعات، بل حرمانه من مصادر قوة وطاقات كامنة يجرى حجبها بسبب التمييز ضدها من القائمين على شئون الحكم. والتمييز بين البشر ظاهرة قديمة وُجدت فى مختلف المجتمعات الإنسانية، ولم يسلم مجتمع واحد منها مهما ادعى غير ذلك، والتمييز بين البشر يأتى من عوامل مختلفة منها ما هو أولى، أى يولد به الإنسان مثل الجنس، الدين، العرق، اللغة والطائفة، ومنها ما هو ثانوى يكتسبه الإنسان من مسيرته مثل الوظيفة والطبقة الاجتماعية. ومعروف أن التمييز وفق عناصر الانقسام الأولى من جنس، دين، لغة، عرق وطائفة، هو الأكثر شيوعاً وخطورة والأكثر استعصاء على العلاج. أما التمييز وفق عناصر الانقسام الثانوى مثل الوظيفة والطبقة الاجتماعية، فهو أمر طبيعى، المشكلة ليست فى الانقسام فى حد ذاته، بل فيما يمكن أن يترتب على هذا الانقسام من تمييز وتفرقة بين البشر، وهو ما يفرز سياسات التمييز والعنصرية والتعصب، الانقسام فى حد ذاته سواء وفق عناصر أولية أو ثانوية لا يمثل مشكلة بل قد يتحول إلى مركز غناء وإثراء للمجتمعات، المشكلة عندما تتبع سياسات تمييز بين البشر لاعتبارات غير موضوعية، وعادة ما يأتى ذلك من القائمين على شئون السلطة، قد يشكلون الأغلبية ومن ثم ينحازون إلى ذويهم وفق عناصر الانقسام الأولى تحت ذريعة الأغلبية والأقلية، وقد يشكلون الأقلية ومن ثم يمارسون التمييز ضد الأغلبية تحت ذريعة السمو والعلو والتفوق مثلما كان الحال فى نظام الفصل العنصرى فى جنوب أفريقيا.
ما نود التأكيد عليه هنا أن التمييز والعنصرية والتطرف ظواهر إنسانية موجودة فى كل المجتمعات، فالتطرف لرأى أو فكر أو معتقد أو عرق آفة شهدتها مختلف المجتمعات الإنسانية، وأدت فى أحيان كثيرة إلى وقوع الحروب والمواجهات وأعمال القتل الجماعى والإبادة، بل كانت وراء إشعال حروب كونية.
وكلما زاد عدد معتنقى الأفكار المتطرفة والعنصرية، ارتفع مؤشر الخطر وارتفعت معدلات جرائم الكراهية والعنصرية، وتزداد الخطورة إذا ما ترافق مع انتشار هذه الأفكار أزمة اقتصادية أو اجتماعية، أو كانت الأزمة مركبة، فى هذه الحالة يجرى البحث عن المختلف والانتقام منه. وعندما تتسع قاعدة التشدد والتطرف والعنصرية، عادة ما تسفر عن نظام حكم يعبر عن هذه الأفكار ويعمل على تعبئتها وتنظيمها، وهو ما فعله هتلر الذى استثمر واقع هزيمة ألمانيا فى الحرب العالمية الأولى والإذلال الذى عانت منه برلين بفعل معاهدة فرساى التى فرضت عليها دفع تعويضات هائلة للدول المنتصرة وفى مقدمتها فرنسا.. فى ظل هذه الحالة والحديث عن الجنس الآرى ونقائه، بدأ هتلر الحرب العالمية الثانية التى أخذت معها حياة نحو خمسين مليون إنسان، وانتهت باحتلال ألمانيا وحالة من الدمار الشديد فى كل أنحاء أوروبا.
يأتى التمييز بين البشر من خلال منظومة فكرية متكاملة، تؤدى إلى التعصب والتشدد، ومنه تتولد سياسات التمييز ضد المغاير أو المختلف، ولا تتوقف منتجات الفكر المتطرف عند حدود التمييز، بل تتجاوزها إلى أفعال مادية قد تصل إلى مستوى الإبادة الجماعية كما جرى فى حروب البلقان وبين قبيلتى الهوتو والتوتسى فى رواندا.
السؤال هنا: كيف يكتسب إنسان صفة التعصب ويصير متطرفاً ومستعداً للانتقال من مشاعر يحملها إلى سلوك إجرامى يمارسه بحق المخالف أو المغاير الدينى/ الطائفى أو العرقى؟

No comments:

Post a Comment