Translate

Saturday, March 11, 2017

د. عماد جاد - حديث الاستقواء - جريدة الوطن - 12/3/2016

الاستقواء هذا المصطلح سيئ السمعة فى مصر وفى أى دولة ذات سيادة وتحرص على استقلالها، كثيراً ما رفعته جماعة الإخوان المسلمين فى وجه أقباط مصر حيث كانت تردد هذا المصطلح كلما تعرض الأقباط لجريمة من جرائمهم وجرائم حلفائهم من جهاد وجماعة إسلامية. كانوا يرتكبون الجرائم ضد الأقباط ويحرضون عليهم ثم يسارعون باتهام الأقباط بالاستقواء بالخارج. حدث ذلك بينما لم يصدر عن الكنيسة المصرية ولا رموز الأقباط ما يفيد بطلب تدخل دولى فى الشأن الداخلى المصرى، لم يصدر ذلك حتى عندما وصلت الاعتداءات على الأقباط إلى حد المذابح (صنبو، الكشح، كنيسة القديسين)، بل كان كل ما يصدر عن الأقباط هو دعوات للصلاة والترحم على الضحايا ومطالبة الدولة المصرية بتوفير الحماية للأقباط وتطبيق القانون على القتلة والمجرمين. كان الأقباط يرون المشكلة فى تديين المجال العام فى مصر، وفى مناخ التشدد والتطرف، وفى عدم تطبيق الدولة للقانون فى جرائم العنف الدينى والطائفى، فقد اعتاد الأقباط على عدم معاقبة مرتكبى جرائم العنف بحقهم، ورصدوا فى هذا المجال ثلاثة أساليب تستخدمها السلطة منذ عهد «السادات» لتهريب المجرمين من العقاب فى جرائم العنف الدينى؛ أول الأساليب هو الاعتماد على مبدأ شيوع التهمة لتبرئة المتهمين من جرائم قتل وحرق راح ضحيتها العشرات (الكشح الأولى والثانية، دهشور)، وثانى هذه الأساليب تمكين المجرم من الإفلات من العقاب عبر ادعاء أنه مريض نفسياً (طعن المصلين فى الإسكندرية، وقتل أسرة فى قطار سمالوط)، وثالث هذه الأساليب تنحية القانون جانباً وتطبيق الصلح العرفى الذى ينتهى ببراءة المتهمين بعد القبض على عدد من أهل الضحايا من الأقباط. رغم كل ذلك لم يطلب الأقباط إعانة من غير مصرى، كان رهانهم طوال الوقت على الشعب المصرى وعلى الدولة المصرية، يرون أنفسهم مصريين أولاً وأخيراً، لا يوجد لهم ولاء خارج حدود الوطن، لا توجد لديهم قطعة أرض أكثر قداسة من أرض مصر، لا ولاء خارج الحدود المصرية، ولا استقواء على الوطن. رغم ذلك لم تتوقف اتهامات الجماعة للأقباط بالاستقواء بالخارج.
حدث هذا بينما كانت جماعة الإخوان أول من رسخ مبدأ الاستقواء لنصرة الإخوة فى شتى أنحاء العالم، ذهبوا بعيداً إلى أفغانستان للجهاد ضد القوات السوفيتية، وإلى البوسنة للقتال إلى جانب مسلميها، وإلى الشيشان (روسيا)، وإلى سوريا للقتال إلى جانب جبهة النصرة المرتبطة بتنظيم القاعدة. وعندما أطاح الشعب المصرى بـ«مرسى» وحكم المرشد والجماعة طلب «القرضاوى» من المجاهدين فى العالم الإسلامى السفر إلى مصر لنصرة الإخوان ووفد على مصر فى زمن «مرسى» متطرفون من شتى بقاع الأرض من ألمانيا وشمال أفريقيا ومن قلب آسيا، جاءوا إلى مصر لدعم النظام الجديد الذى أقامته الجماعة، ويمارسون اليوم الإرهاب وعمليات التفجير والقتل فى شمال سيناء تحت مسمى «أنصار بيت المقدس» الذى أعلن ولاءه لتنظيم الدولة الإسلامية «داعش».
وفى محاولاتهم لإعادة «مرسى» إلى موقعه، طلب الإخوان من الولايات المتحدة والدول الغربية مساعدتهم فى ذلك، كتبوا لافتاتهم باللغة الإنجليزية، ناشدوا الأمم المتحدة التدخل، طلبوا من مجلس الأمن الدولى بحث موضوع التدخل الدولى، طلب أحد قيادات التنظيم الدولى للجماعة، رئيس الوزراء التركى رجب طيب أردوغان، من مجلس الأمن مناقشة الأوضاع فى مصر، تحركت معه الإدارة الأمريكية السابقة وفرنسا وألمانيا وعقدوا جلسة لمجلس الأمن الدولى، أطلق «أوباما» تصريحات مشجعة لجماعة الإخوان على مواصلة عمليات العنف والقتل، ردت الرئاسة المصرية بقوة طالبة من الجميع التوقف عن التدخل فى الشأن المصرى ومؤكدة على سلامة موقف الدولة المصرية.
باختصار كشفت أزمة عزل «مرسى» حقيقة مواقف الأطراف المختلفة، وبينت حدود الوطنية لهذه الأطراف، أكدت تجاوز الجماعة للوطن والوطنية باعتبارها تنظيماً دولياً عابراً للحدود لا يتوقف أمام وطن ولا يعير اهتماماً لسيادة ولا لأمن قومى، عرّت مواقف الأطراف المختلفة، وأكدت وطنية الكنيسة المصرية وتخندق الأقباط وراء حصون الوطن، قال البابا إن الاعتداءات على الأقباط هى جزء من ضريبة للدفاع عن الوطن، وقف الأقباط جميعاً خلف جيشهم ومؤسسات الدولة المصرية وتطلعوا إلى بناء دولة مدنية حديثة تحتضن جميع المصريين، ووقفوا بشموخ إلى جانب مواطنيهم المسلمين فى دعم ومساندة الدولة المصرية وفى معركة استرداد الدولة من تنظيم عالمى لا تمثل بلادنا بالنسبة لهم إلا ولاية من الولايات أو مصراً من الأمصار وبلادنا فى عرفهم ما هى إلا «حفنة من التراب العفن».

No comments:

Post a Comment