Translate

Friday, March 17, 2017

د. عماد جاد - أوروبا تواجه السلطان - جريدة الوطن - 17/3/2017

وجه الرئيس التركى رجب طيب أردوغان انتقادات قاسية لألمانيا بسبب منع وزراء أتراك من عقد مؤتمرات ومهرجانات مع الأقلية التركية فى ألمانيا من أجل الدعاية للتعديلات التى يرغب أردوغان فى إدخالها على الدستور التركى، وانزلق أردوغان فى خلافه مع ألمانيا إلى حد وصف السياسات الألمانية بالنازية، وهو وصف يكره الألمان سماعه من أى شخص، فما بالك من رئيس دولة عضو فى الناتو وعلى لسان أعلى مسئول فيها، وهو الأمر الذى رفضته المستشارة الألمانية وردت عليه بكل قوة. فى الوقت نفسه رفضت هولندا استقبال وزراء أتراك للغرض نفسه وجرى منع وزيرة تركية من عقد مثل هذه اللقاءات وتم التعامل من قبل الشرطة الهولندية بكل قوة مع المتظاهرين الأتراك، كما أعلنت هولندا رفضها استقبال وزير الخارجية التركى، فبادر أردوغان بوصف الهولنديين بأنهم من «فلول النازيين». وسرعان ما اشتبكت تركيا أيضاً مع الدنمارك التى تضامنت مع الموقفين الألمانى والهولندى، فما كان من الرئيس التركى إلا صب جام غضبه ووجه الانتقادات اللاذعة بل والاتهامات للأوروبيين.
فى نفس التوقيت أدلى الرئيس السورى بشار الأسد بحديث لمحطة تليفزيون «فينيكس» الصينية، أكد خلاله انتماء أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين، التى اعتبرها الجماعة الأم لكل التنظيمات الإرهابية على مستوى العالم، وشرح فى حديثه العلاقة بين الرئيس التركى وتنظيم «داعش» وأن الرجل من أبرز الداعمين لهذا التنظيم الإرهابى والمستفيدين منه فى الوقت نفسه لأنه كان يشترى النفط السورى المهرب من التنظيم وكانت العوائد توجه لشراء السلاح والمعدات لهذا التنظيم الإرهابى.
المؤكد أن الاشتباك بين تركيا والدول الأوروبية كشف للجانب الأخير سلامة الموقف الأوروبى الذى كان يرفض منح تركيا عضوية الاتحاد لاعتبارات عديدة، فالرجل يسير فى طريق «الاستبداد الشرقى» ويخلط الدين بالسياسة ويقوم بتهييج الجماهير التركية من خلال لغة غوغائية، لا يتبع المعايير الأوروبية فى الديمقراطية وحقوق الإنسان، فقط يريد دخول الاتحاد الأوروبى للاستفادة من العضوية من ناحية والتحول إلى لاعب رئيسى داخل الاتحاد الذى يوزع الحصص والمناصب وفق معايير حجم السكان بالأساس ومن ثم يكون نصيب تركيا معادلاً لنصيب كبار الاتحاد مثل ألمانيا وإيطاليا ويفوق نصيب إسبانيا وفرنسا.
وفق تقديرى أن هذا الاشتباك وطريقة إدارة أردوغان للأزمة مع دول من الاتحاد الأوروبى وتحديداً ألمانيا قد وضع نهاية حقيقية للحلم التركى بدخول الاتحاد الأوروبى، كما أن تحديه لدول فى الاتحاد الأوروبى سوف يدفع الأخيرة إلى إعادة النظر فى كثير من الامتيازات الممنوحة لتركيا والاتفاقات الموقعة معها، وهو الأمر الذى سيعود بالضرر الشديد على الشعب التركى.
يبدو واضحاً من سياسات أردوغان وتصرفاته فى السنوات القليلة الماضية أن الرجل يتصرف، كما قال الرئيس السورى بشار الأسد، كعضو فى التنظيم الدولى لجماعة الإخوان أكثر منه رئيساً لدولة عضو فى حلف «الناتو» ترغب فى الالتحاق بالاتحاد الأوروبى أو الحصول على نوع من الشراكة المميزة مع الاتحاد، فقد تصرف الرجل بتهور واندفاع وغابت العقلانية والرشادة تماماً وتبقى منه الجزء الإخوانى الذى يتسم بالتهور والاندفاع، والرغبة الجامحة فى الاستحواذ وضرب كل القوى والتيارات المختلفة من أجل الوصول إلى مرحلة «التمكين» فلا فروق كبيرة بين الأفراد فى هذه الحالة، بل التصرف وفق الرؤية الإخوانية، ولا أحد يتعلم من التجارب والأخطاء البعيدة والقريبة.

No comments:

Post a Comment