Translate

Wednesday, March 15, 2017

د. عماد جاد - التنمية والتعليم - جريدة الوطن - 15/3/2017

كثيرة هى الأسئلة التى تطرحها الوفود الأجنبية التى تزور القاهرة حول مدى ديمقراطية النظام السياسى فى مصر وحدود الدور الذى يلعبه البرلمان، تسألك وفود برلمانية أوروبية بصراحة ووضوح: هل يمارس البرلمان المصرى دور التشريع والرقابة على السلطة التنفيذية، هل يسير البرلمان خلف الرئيس والحكومة وينفذ كل ما يصدر له من تعليمات من قبَل السلطة التنفيذية؟ أسئلة كثيرة تتردد على لسان الوفود البرلمانية الأجنبية التى تزور البلاد، وبالمناسبة عادة ما تأتى هذه الوفود ولديها قدر لا بأس به من المعلومات حول دور البرلمان المصرى وكل ما يجرى بداخله، وعادة ما تطرح مثل هذه الأسئلة لمعرفة إجابات النواب والأكاديميين من مختلف الانتماءات. والملاحظ من خلال هذه اللقاءات أن الإجابات النمطية لم تعد تنطلى على هذه الوفود، ومن ثم فإن الطريقة الأفضل فى تقديرى هى الدخول فى سجال حقيقى حول هذه القضايا ومن منطلق واقعى يقر بما لدينا من مشاكل بصفة عامة من ناحية، ويطرح الأفق المستقبلى من ناحية ثانية، لا تقبل هذه الوفود على الإطلاق فكرة أن النائب تحديداً يتولى الدفاع عن الحكومة وتبرير تصرفاتها الصحيحة والخاطئة، ولكنها تقبل السجال على أرضية موضوعية وتسلم بما يُطرح من أفكار مبنية على أسس علمية من ناحية ورؤية سياسية واضحة من ناحية ثانية.
ولعل القضية الأبرز فى الحديث عن أى نظام سياسى وعن دور البرلمان داخله تنطلق من واقع المجتمع الموجود فيه، فالمجتمع السويدى يسفر عن برلمان سويدى، والمجتمع السعودى لا يمكن أن يقدم أكثر من مجلس شورى استشارى يسبح بحمد الملك، لا بد من تشريح المجتمع لمعرفة حدود ما سوف ينتج من نظام سياسى بصفة عامة وسلطة تشريعية بصفة خاصة، والمعروف عالمياً أن غالبية تجارب التحول الديمقراطى تقول بأن الديمقراطية أكبر من مجرد شكل من أشكال نظم الحكم، الديمقراطية ثقافة شاملة وقيم إنسانية متكاملة، من المواطنة، والمساواة، والحرية، وقبول التنوع والتعدد والاختلاف، وحرية الرأى والتعبير، وحرية العقيدة وممارسة الشعائر، والعلمانية، أى وقوف الدولة على مسافة واحدة من كافة الأديان والعقائد، فلا دين للدولة لأنها كائن اعتبارى يُظل المواطنين ولا يحدد لهم اختياراتهم الدينية. وإذا أمعنا النظر فى هذه القيم سنجدها عبارة عن ثقافة قد تقبلها شعوب وقد ترفضها، لكن المؤكد أن تحقيق معدلات مرتفعة من التنمية الاقتصادية وانتشار التعليم الجيد يساعدان على زيادة الطلب على الديمقراطية، فارتفاع معدلات التنمية الاقتصادية يعنى زيادة مساحة الطبقة الوسطى، وتقلص معدلات الفقر وتراجع نسبة الفقراء، كما أن ارتفاع معدلات التعليم الجيد يعنى تقلص نسبة الأمية، وتراجع الفقر والجهل يعنى تراجع البيئة الخصبة للتطرف والتعصب ومعاداة القيم الإنسانية.
واذا نظرنا إلى مجتمعنا المصرى فسوف نجد معدلات عالية للفقر تصل إلى وقوع ٢٠٪ من المصريين تحت خط الفقر، ومثلهم فوق خط الفقر مباشرة، ومع التعويم والارتفاع الجنونى فى الأسعار يُتوقع ارتفاع نسبة الفقراء فى المجتمع المصرى وسقوط شرائح من الطبقة الوسطى لأسفل خط الفقر وفوقه مباشرة. أما معدلات الجهل والأمية فحدّث ولا حرج، إذا تحدثت عن الأمية الأبجدية فهناك نحو ربع عدد المصريين، وإذا تحدث عن الأمية الثقافية فقد ترتفع النسبة إلى ما يفوق ثلاثة أرباع الشعب، ومجتمع بهذه المواصفات لا يمكن أن يفرز نظاماً ديمقراطياً، قد نكون على أول طريق التحول الديمقراطى، ولكن ما لم نبدأ فى عملية تنمية حقيقية شاملة وتحقيق إصلاح شامل فى منظومة التعليم مصحوبة بإصلاح الفكر الدينى وخطابه، فسوف ندور فى حلقة مفرغة، المهم أن تبدأ عملية التحول والإصلاح الحقيقى، السؤال هنا.. متى نبدأ؟

No comments:

Post a Comment