Translate

Wednesday, March 8, 2017

خالد منتصر - إيدز العقل المصرى - جريدة الوطن - 9/3/2016

ما الذى حدث للعقل المصرى فصار سهل الانخداع؟، مفتقداً أبسط أبجديات التفكير النقدى، صار من العادى جداً أن يقع فى فخ النصابين والدجالين، بل هو الذى يسعى ويذهب ويهرول إلى النصاب والدجال وهو فى منتهى الانشكاح، أحدث محطات النصب كانت محطة «الشيخة أم خديجة المغربية» التى كانت تستخدم الفضائيات لجلب الحبيب وفك نحس العانس والأعمال والسحر.. إلخ، ووجدت الشرطة ملايين الجنيهات حصيلة اقتناع المخدوعين المصدقين لتلك الهرتلات، المشكلة أن هناك ألف «أم خديجة»، وهناك ملايين ممن يصنعون أصناماً لـ«أم خديجة» ويصلون لها صباح مساء، ويقدمون لها القرابين من عقولهم ووجدانهم على مذبح الخرافة المقدس!!، المشكلة ليست فى مهارة «أم خديجة»، لكنها فى سذاجة من اقتنع بـ«أم خديجة»، العقل المصرى الجمعى فى أزمة، صار أسير التفكير بالتمنى وأصبح يتلقى المعلومة دون أى سؤال عن صحتها أو مصدرها أو مدى منطقيتها، ويتناقل الخبر والبوست والتويتة والصورة أوتوماتيكياً كالمغيب المخدر المنوم مغناطيسياً وبمنتهى الثقة والحماس والزهو، العقل الجمعى المصرى صدق جهاز الكفتة وانطلى عليه الكلام البعيد عن أساسيات العلم وما زال هناك حتى هذه اللحظة، وبعد كل هذه الفضائح من هو مقتنع بأن المؤامرة هى التى حرمتنا من هذا الجهاز السحرى الرهيب!، ومن جهاز علاج الإيدز الشبيه بصندوق الأحذية إلى سرادق عزاء الشيخ عمر عبدالرحمن مُنظر الإرهاب الحديث، الذى خدع فيه نصاب وبكل ثقة عشرات الآلاف من المعزين بأنه مندوب رئاسة الجمهورية!، لم يسأل فرد من هؤلاء نفسه هل من المعقول أن تُرسل «الرئاسة» مندوباً فى عزاء إرهابى؟!، وهل السيارة المكتوب عليها عبارات الميكروباصات وشعارات التكاتك من الممكن أن تكون سيارة رئاسة؟!!، والمدهش أن هذا النصاب خدع من قبل رئيس جامعة أسوان العالم الجليل، وأيضاً أقنع المؤتمر الاقتصادى بكل قاماته العلمية السامقة بأنه مندوب «الرئاسة»!!، العقل المصرى صار سهل الإيحاء والانخداع، العقل المصرى يعانى من الإيدز النقدى، وغياب المناعة النقدية يؤدى بالضرورة إلى غياب القدرة الإبداعية، ظواهر تحدث بشكل متكرر تفضح التدنى الذى وصل إليه العقل المصرى والهشاشة التى صار عليها، كل يوم يخرج علينا محافظ أو وزير أو رئيس مجلس محلى يصافح طالباً مخترعاً!!، إسهال اختراعى وماسورة مكتشفين ضربت فى مصر فجأة، وزير يصافح طالباً فى دبلوم زراعة اخترع سفينة فضاء، محافظ يحتضن طالباً فى كلية الآداب اكتشف حلاً لتأمين المحطات النووية.. إلخ، والصحف تكتب مانشيتات، والفضائيات تعمل ريبورتاجات، والمشاهدون يصفقون للإنجازات، وعندما تتكلم وتحاول أن تناقش بالمنطق، يتهمونك بأنك حاقد ومحبط وضارب للكلوب وغير وطنى يا وطنطن!!، حتى طلبة قسم الفلسفة التى هى أساس التفكير النقدى المتمرد المتشكك يكتبون فى ورقة الإجابة أن يهوذا باع المسيح بثلاثين دولاراً!!، الطلبة كلهم غشّوا من طالب جاهل دون الوقوف لحظة للسؤال عن هذا الدولار الخرافى الذى كان فى زمن المسيح؟!!، هذه هى الكارثة الحقيقية والخطر المحدّق، الفيروس الذى دمر جهاز المناعة العقلى المصرى، الإيدز الذى جعل مسامّنا الفكرية مكشوفة لأى تخريف وهرتلة وإشاعات ونصب ودجل، مما جعلنا شعباً يفكر بوهم ما يتمناه، وليس بواقع ما يراه.

No comments:

Post a Comment