Translate

Thursday, March 30, 2017

خالد منتصر - انتبهوا صفحة الحوادث أهم من الصفحة الأولى - جريدة الوطن - 30/3/2017

بلطجى يقيم الحد على شاب سرق تليفونه ويقطع يده!!، أب يعاقب ابنه بتعليقه فى المروحة!، زوج يحبس زوجته ويضربها ويمنع عنها الطعام، لأنه اكتشف أن لها حساباً على «الفيس بوك»!!، زوج يقطع أطراف زوجته أمام أطفاله الثلاثة!!، عاطل يغتصب رضيعة!.. إلخ، صفحة الحوادث فى الجريدة تدق جرس الإنذار، المجتمع فى خطر، عظيم أن نبنى الكبارى ونشيد المبانى ونمهد الطرق، لكن الإنسان الذى سيستخدم تلك المبانى ويعبر تلك الكبارى ويسير على أسفلت تلك الطرق قد أهملنا بناءه وتشييده وتمهيده وتهذيبه، أرجو من علماء الاجتماع وعلماء النفس والساسة قراءة صفحة الحوادث، صفحة الحوادث أصدق ترمومتر، هى بمثابة أشعة مقطعية للعقل والوجدان المصرى، لا تقرأوا صفحة الاجتماعيات المخملية، اقرأوا صفحة الحوادث الواقعية، قراءة تلك الصفحة هى النظر من خلال ثقب الباب، حيث يتخلى المجتمع عن وقاره الزائف وهدوئه المفتعل وابتسامته المصطنعة، حيث يتعرّى ويصبح «على راحته» ويخلع ثياب شعاراته البراقة التى اعتبرناها لقرون من الزمان بديهيات مقدّسة، مثل مقولة المجتمع المصرى المتدين بطبعه، الصبور الهادئ، طويل البال، الذى لا يلجأ إلى العنف لحل مشكلاته، إلى آخر هذه الكليشيهات التى صدّقناها وأسهم فى ترسيخها بعض رجال السياسة، وبعض علماء الاجتماع الذين يُبررون ولا يحللون ويبيعون العلم من أجل الدعاية والصدق، من أجل المنصب والكتاب الأكاديمى والكرسى الجلد الوثير، صفحة الجريمة فى نظرى أهم من الصفحة الأولى فنحن نرى أنفسنا فيها دون مساحيق وأصباغ وماكياج، نرى فيها المجتمع قبل أن يجرى عملية تجميل لشد الوجه المتجهم الغاضب وشفط دهون البطن المترهل المرتخى، ولا يصح الادعاء بأنها صفحة المرضى النفسيين فقط، أو من يُطلق عليهم «السيكوباتيين»، فالرجل الذى يسرق لسد جوع أطفاله لا يصح أن نُطلق عليه مريضاً نفسياً، بل هو رجل فقير معدم قبل أن يكون متهماً خارجاً على القانون، إنه بالفعل سارق ومتهم، لكنه أيضاً جائع ومشرّد، وحل مشكلته ليس فى مصلحة السجون بقدر ما هو فى أروقة مجلس النواب وفى مدرجات الجامعة، ذنبه فى رقبة وزراء الاقتصاد والمالية، وليس فى رقبة وزير الداخلية، الشاب الذى يبقر بطن من يختلف معه لم يتعلم فن الحوار أو آداب الذوق، لا فى فصل مدرسة، ولا فى حضن أسرة، والصبى العاطل الذى يلف سيجارة البانجو هو حطام إنسان يحتال للهروب من واقعه القاسى الفاجر، قبل أن يهرب من أعين رجال البوليس، والزوجة التى تمزق جسد زوجها بالساطور وتعبئه فى أكياس، قبل أن تتحول إلى مجرمة، كان زوجها قد حوّلها إلى مجرد أشلاء روح، وفضلات بشر، وفتات إنسان، ضاجعها وكأنه يتبول فى دورة مياه، ضربها وكأنها مجرد حيوان، داس على كرامتها وكأنه يدوس على عُقب سيجارة، مزق روحها شظايا بتلذذ، فمزقت جسده فتافيت بمنتهى العنف والتشفى، إننا لا نبرر الخروج على القانون، وإنما نرصد لماذا تم هذا الخروج وكيف؟، لماذا قفز هؤلاء من على سور المحرمات وتجاوزوا الخط الأحمر للأعراف والتقاليد؟، لماذا كل هذا العنف الذى صار يصبغ الشخصية المصرية فى الوقت الحالى؟، لماذا اختلفت نوعية الجرائم فى مصر؟ ولماذا أصبحت صفحة الحوادث متخمة بأخبار الجريمة ومحصولها من العنف والتحايل والغرابة وفير؟، والأهم لماذا فقدنا نحن قدرتنا على الدهشة من تلك الجرائم التى يقشعر لها البدن من هولها وفظاعتها؟، هل نحن فقدنا هذه الدهشة لأننا نعيش فى حالة «توله» جماعية كما وصفها د. يوسف إدريس، وهى حالة غياب وعى جماعى، أو على الأقل هو وعى مخدر «شامم خطين هيروين»، أم هى حالة «تناحة»، كما أطلق عليها الراحل د. محمد السيد سعيد، وهو تعبير يعكس «منظومة سلوكيات السلبية واللامبالاة والأنا مالية والاستهتار والبلادة والتحايل والعجز والنفاق والاستسلام لدرجة اليأس»، التى تجعلنا -على حد تعبير الباحث أحمد محمد صالح- «نتعامل مع العمل، وكأنه سد خانة، والمسئولية وكأنها تشريف، الوطن كله فى إجازة وضع»!!.

No comments:

Post a Comment