Translate

Sunday, March 19, 2017

أصوليات هذا الزمان المشروع الأصولى «١١» بقلم د. مراد وهبة ٢٠/ ٣/ ٢٠١٧ - المصرى اليوم

كان عام ١٩٨٨ هو العام الذى عقدت فيه ندوة عنوانها «التناول الفلسفى للمجتمع: الأصولية والعلمانية فى الشرق الأوسط المعاصر» وكان ذلك أثناء انعقاد المؤتمر العالمى للاتحاد الدولى للجمعيات الفلسفية الثامن عشر ببرايتون بإنجلترا. وفى نفس ذلك العام قررت الأكاديمية الأمريكية للآداب والعلوم تأسيس «المشروع الأصولى» بتمويل من مؤسسة مكارثر على أن تصدر عن هذا المشروع خمسة مجلدات على خمس سنوات، وقد تم بالفعل إصدار المجلدات الخمسة ولكنها لم تكن موضع تحليل أو نقد من قِبل المثقفين العرب، بل لم تكن موضع قرار بترجمتها إلى اللغة العربية مع أنها مجلدات تاريخية لأنها تتناول قضية هذا العصر، بمعنى أنه لن يكون فى إمكانك فهمه من غير فهم أبعاد هذه القضية المتغلغلة فى جميع مجالات الحياة الإنسانية.
وهنا ثمة سؤال لابد أن يثار:
لماذا اهتمت الأكاديمية الأمريكية بتأسيس «المشروع الأصولى»؟
وفى صياغة أدق:
ما العلاقة بين الأصولية والثقافة الأمريكية؟
قيل فى الجواب عن هذا السؤال إن الأصولية هى التى شكلت ذهنية الكنيسة الإنجليكانية (البروتستانتية) فى الفترة من ١٨٧٠ إلى ١٩٢٥. ومصطلح الإنجليكانية هنا يعنى التبشير بالإنجيل، وهو ما يشى بالثقة المطلقة فى الإنجيل من حيث هو تحرير البشر من خطاياهم من أجل ممارسة الفضيلة فى هذه الحياة الدنيا ونوال الحياة الأبدية فى فردوس النعيم، وإلا فالجحيم هو المصير. والذى أدى إلى بزوغ الأصولية الإنجيلية مردود إلى أن الأصوليين قد فطنوا إلى خطورة الإحساس بأن الثقافة الأمريكية فى العشرينيات من القرن العشرين قد ابتعدت عن الله. وقد تم هذا الابتعاد بسبب بزوغ الحداثة ونظرية التطور مما أدى إلى اهتزاز الأسس المسيحية للحضارة الأمريكية. ومن هنا صدر اثنا عشر كتيباً تحت عنوان «الأصول» فى الفترة من ١٩١٠ إلى ١٩١٥. ومن هذه الأصول نشأ مصطلح الأصولية ومنه قيل «الحركة الأصولية».
وفى عام ١٩٢٠ هيمنت هذه الحركة على المجالس الإنجليكانية المحافظة وعندئذ قررت هذه المجالس الدخول فى حرب مقدسة لطرد لعنة الحداثة ونظرية التطور من الكنيسة والثقافة من غير انخراط فى الحياة السياسية بدعوى أن قوة أمريكا تكمن فى المبادئ المسيحية، ومن ثم تبلور الجهاد فى الدعوة إلى منع تدريس نظرية التطور فى مدارس الدولة. ومع ذلك فقد قيل إنه مع نهاية القرن العشرين كانت الأصولية فى طريقها للزوال بسبب نقدها المفرط لإعمال العقل فى الحياة العامة، وعدم تحولها إلى حركة سياسية، إذ إنها فشلت فى إنجاز هذا التحول لأنها وهى منشغلة بخلاص الفرد من الشرور كان فى إمكانها الدخول فى علاقة عضوية مع الليبرالية التى تدعو إلى القول بأن سلطة الفرد أعلى من سلطة المجتمع إلا أنها أضافت قائلة بأن الله لا ينوى فقط إدانة الفرد إذا انحرف بل ينوى أيضاً إدانة الدول فى الآخرة.
واللافت للانتباه بعد ذلك أن الكنيسة الإنجليزية الإنجليكانية انضمت إلى زميلتها الأمريكية لتكوين حركة واحدة عابرة للمحيط الأطلسى. واللافت للانتباه أيضاً أن الحركة الأصولية لم تقف عند الكنيسة الإنجليكانية فى أمريكا وإنجلترا بل تجاوزتها إلى الأديان الأخرى على مستوى كوكب الأرض، وبالتالى أصبحت الأصولية كوكبية مما دفع الأكاديمية الأمريكية إلى تكوين لجنة تنفيذية ودعوة مستشارين ومفكرين كانوا مراقبين لمختلف الحركات الأصولية لبلورة الجزء الأول من الأجزاء الخمسة للمشروع الأصولى. وتحاور الكل فى ندوة عُقدت فى مايو ١٩٨٨ وفيها بزغت إشكالية كامنة فى مصطلح الأصولية.. فما هى؟!

No comments:

Post a Comment