Translate

Friday, March 3, 2017

خالد منتصر - سلامة موسى متهم بحيازة عقل وتهريب أفكار - جريدة الوطن - 3/3/2016

العداوة والعدوانية والشراسة تجاه أى شخص يرفع راية التنوير ويحاول أن يطرح علامات الاستفهام ويخلخل البديهيات، سلوك مصرى قديم وليس طارئاً أو ابن اللحظة الطارئة الحالية، بالطبع ازدادت فى هذا الزمن -خاصة مع السوشيال ميديا- حدة الهجوم وقسوة الشتائم وسفالة السباب، لكن يظل الفزع والرعب فى مصر من أى شخص يفكر خارج الصندوق، ويحاول الطيران خارج السرب، خاصة فى زعزعة الأفكار المستقرة مثل مفاهيم الأقدمين الدينية التى تصير مع الزمن ديناً موازياً أو بديلاً، يتضح هذا السلوك العدوانى ويظهر فى أجلى صوره مع سلامة موسى، وقد جعلنى الكتاب المهم عن «سلامة موسى» الصادر حديثاً عن دار الثقافة الجديدة أقرأ هذا المفكر داخل هذا الإطار الجديد، بذل مؤلف الكتاب ومحرره وجامع مادته الغزيرة فكرى أندراوس جهداً كبيراً لتقديم هذه الشخصية الموسوعية المظلومة التى لولا الابن الراحل البار «رؤوف» الذى حافظ على تراثه من خلال مكتبته المتواضعة فى الإسكندرية لكانت كتب سلامة موسى قد صارت من الحفريات!!، ظل سلامة موسى الذى كان يحمل دائماً علامة استفهام مؤرقة مزمنة بداخله، فاتحاً مسامه لكل جديد سواء كانت نظرية سياسية مثل الاشتراكية أو نظرية علمية مثل التطور أو روائياً شاباً مثل نجيب محفوظ، الذى يعتبره الأستاذ «نجيب» أستاذه الأول، أو أسئلة محرمة شائكة مثل ما طرحه عن قداسة اللغة العربية ووضع المرأة الاجتماعى والدينى وهل انتماء المصريين فرعونى أم عربى؟.. إلخ، ظل «موسى» هدفاً روتينياً للهجوم الحاد طيلة حياته مما عرضه لسوء الفهم من العامة وأيضاً للاتهامات التى وضعته فى السجن، فى هذا الكتاب قسم لما كتبه خصوم سلامة موسى فى معاركهم معه، من أعنف المقالات التى هاجمته تلك المقالة التى كتبها مصطفى صادق الرافعى المشهور ببلاغته الرومانسية الحالمة الذى تحول فجأة أمام سلامة موسى إلى وحش كاسر وفتوة مفتول العضلات يكيل له أبشع الهجوم والسباب، المقال بتاريخ 13 مايو 1931، وإليكم بعض الاقتباسات التى تظهر كم نحن لا نحتمل -حتى نخبتنا- ضوء التنوير، يكتب «الرافعى»:
«سلامة موسى كالشجرة التى تنبت مرة ولا تحلو ولو زرعت فى تراب من السكر، وما زال هذا الأحمق يتعرض لى منذ خمس عشرة سنة كأنه يلقى علىّ أنا وحدى تبعة حماية اللغة العربية وإظهار محاسنها وبيانها، فهو عدو دينها وقرآنها ونبيها، كما هو عدو الفضيلة أين وجدت فى إسلام أو نصرانية أو يهودية، ومن الذى يلوم الأعمى على ألا يبصر!!.
هذا المخذول فى الأدب ساقط لا قيمة له، وفى اللغة دعىّ لا موضع له وفى الرأى حقير لا شأن له.
لم أر فى عمرى أبلغ وقاحة من سلامة موسى!!.
أما غباوته فإنه يقر الآن فى مجلته بأن كل سبيل تؤدى به إلى نيل الرخصة باسم الجريدة لتمكينه من كسب المال فهو يسلكها.
وأما نفاقه.. وأما أنه ساقط الخلق.. كذاب.. أحمق..
هل يصطنع الوفد من يدعو إلى الأدب المكشوف، كم بينت لمحرر الهلال غباوة سلامة موسى وفساد نزعاته وانحطاط نفسه.. إلخ».
ما كل هذه العدوانية والشراسة تجاه مفكر لا يملك من الحياة إلا قلمه وفكره ورأيه الحر؟!، هل كل هذه الشتائم وكل هذا الردح لأن سلامة موسى طرح أسئلة مختلفة وفعل مثلما فعل سيدنا إبراهيم ورفض أن يعبد أصنام الخرافة ويتبع ما وجد عليه الآباء لمجرد أنه قديم أو سائد أو يتحدث به علية القوم؟ هل هذا هو جزاء كل من يحاول أن يفكر أو يطرح أسئلة خارج السياق؟!، هذا الكتاب الرائع الذى تستحق دار الثقافة الجديدة التحية عليه هو فاتورة إنصاف وجزء بسيط من رد الدَّين الثقافى الذى يدين به كل من أبحر فى قارب العقل فى هذا البلد المنكوب بالكسل والشلل والكساح العقلى المزمن.

No comments:

Post a Comment