Translate

Wednesday, March 8, 2017

د. عماد جاد - تجوع الحرة... - جريدة الوطن - 8/3/2016

منذ جريمة تفجير الطائرة الروسية فوق شمال سيناء قبل أكثر من عام ونصف العام، ونحن نتابع تطورات المشهد والمحاولات المصرية المخلصة لإقناع القيادة الروسية بالسماح بعودة السياح الروس إلى مصر مجدداً. وقد قدمت مصر والشعب المصرى تعازيها للشعب الروسى فى ضحايا الطائرة، وأقيمت الصلوات فى كاتدرائية شرم الشيخ، وذهب وفد مصرى رفيع المستوى من رجال الكنيسة للمشاركة فى صلاة تأبين الضحايا فى موسكو، وجاءت فرق «تفتيش» لمراجعة الإجراءات الأمنية فى المطارات المصرية كافة وعلى رأسها مطار العاصمة القاهرة، جاءوا ومعهم قنابل وهمية فى محاولة لاختبار سلامة الإجراءات الأمنية، وهو إجراء لا يتخذ عادة تجاه الدول المستقلة بل التابعة. كانت التصريحات الروسية عن قرب عودة السياح إلى مصر تتوالى، وكانت الحكومة وقطاعات من الشعب المصرى تتفاءل بمثل هذه التصريحات، وفى النهاية نفاجأ بتصريحات صادمة عن أن السياحة الروسية لن تعود إلى مصر بسبب تحفظات روسية على طبيعة الإجراءات الأمنية. توالت الزيارات على أعلى المستويات وأعلن خلالها عن مشروعات تعاون ضخمة بين البلدين فى شتى المجالات، وكنا نتفاءل بقرب عودة السياحة الروسية ثم نفاجأ بتصريح عن عدم الجاهزية لعودة السياحة الروسية إلى مصر.
بات الأمر محيراً فى الحقيقة، فالإجراءات التى تتبعها موسكو مع القاهرة غير معتادة فى علاقات الدول المستقلة، هناك حالة من حالات الاستقواء على مصر، كلما لبت شرطاً أو مجموعة شروط، تطرح مجموعة أخرى على نحو دفع البعض للحديث عن أبعاد سياسية للموقف الروسى، هناك من قال إن موسكو تريد ربط القاهرة بمجموعة اتفاقيات تضمن لها علاقات تجعل القاهرة مرتبطة بموسكو فى مجالات شتى تقلص من تقارب القاهرة مجدداً مع واشنطن، وهناك من ذهب إلى القول إن الموقف الروسى برمته موقف سياسى يريد ضمان توقيع اتفاق تولى روسيا إنشاء المفاعل النووى المصرى بمدينة الضبعة بالساحل الشمالى، وهو أمر لو كان صحيحاً يمكن تفهمه، لكن الحقيقة أن الموقف الروسى مع مصر بات عصيّاً على الفهم من ناحية ويمس بالسيادة المصرية من ناحية ثانية، فهناك عواصم أوروبية شهدت تفجيرات وجرائم إرهابية داخل أسواقها ومطاراتها دون أن تتخذ موسكو أو غيرها من الدول مثل تلك الإجراءات التى تتخذ مع مصر، أو تضع شروطاً لعودة مواطنيها للسياحة فى مصر. وفى تقديرى أن الحكومة المصرية تعاملت بطول أناة مع المطالب الروسية المتكررة، ووافقت على مراجعة الوفود الأمنية الروسية للإجراءات فى مطارات الجمهورية وعلى رأسها مطار القاهرة، وهو إجراء غير معتاد تتبعه فقط الولايات المتحدة منذ اعتداءات سبتمبر ٢٠٠١ مع عدد من الدول الصغيرة والحليفة معها. ولعل أحدث المطالب الروسية طرح هذا الأسبوع وهو إقامة نقاط تفتيش روسية داخل المطارات المصرية، وقيام الأمن الروسى منفرداً بإجراءات التفتيش وتأمين الطائرات الروسية، وهو مطلب فج يمثل انتهاكاً للسيادة المصرية، ومهما كان احتياجنا للدخل المترتب على تدفق السياحة الروسية فإنه لا يبرر هذه المطالب الروسية التى تمثل انتهاكاً لسيادة بلدنا على أراضيها. نعم نحن فى حاجة ماسة لعودة السياحة الروسية إلى المنتجعات المصرية، نعم نتطلع إلى تطوير العلاقات مع روسيا، لكن دون مساس بالسيادة المصرية، فالأوضاع الاقتصادية متغيرة وأساسها العمل والإنتاج الوطنى، ومهما كان الاحتياج للموارد العائدة من عودة تدفق السياحة الروسية، فإنه لا يبرر القبول بشروط تهين السيادة المصرية وتعتدى عليها، والمثل العربى القديم يقول «تجوع الحرة ولا تأكل بـ........».

No comments:

Post a Comment