Translate

Saturday, March 18, 2017

خالد منتصر - استقلال المرأة فى الإسلام - جريدة الوطن - 18/3/2017

الشيخ الغزالى حرب هو البدر الكاشف لعورات تفكيرنا الظلامى الذى نغرق فى وحله هذه الأيام، تذكرت جرأة وجسارة وعقلانية هذا الشيخ المستنير الراحل وأنا أقرأ كتابه الرائع «استقلال المرأة فى الإسلام» الصادر عن دار العين، افتقدته فى أتون معركة النقاب التى كشفت عن مجتمع يتخلف بإرادته ويصر على أن يقبع فى كهوف الرجعية والجهل مع سبق الإصرار والترصد وأيضاً فى استنكار المسلم الذى هاجر إلى أوروبا وكان على شفا الموت فى البحر لقرار الاتحاد الأوروبى بحظر الحجاب فى مكان العمل بل والتظاهر ضده وكأنه صار الفريضة السادسة!!
وسأكتفى أن أعرض للقراء مقتطفات مما كتبه بشأن النقاب والذى كان يطلق عليه فى كتابات تلك الفترة الحجاب قبل أن تتعدد معانى وصور الحجاب فنستورد من الصين إيشاربات وطُرح الحجاب العصرى والإسدال الفارسى والخمار التايوانى والشادور الأفغانى.
يقول الشيخ الغزالى حرب الذى وصفه الباقورى بأنه أنبغ تلاميذه والذى تفوّق وكان الأول فى شهادة العالمية الأزهرية ١٩٤٨: «العبرة ليست بالحجاب المادى مهما يكن صفيقاً ومانعاً، وإنما العبرة بالحجاب المعنوى والخلقى وهو حجاب الضمير المراقب لله عز وجل، هذا هو الحجاب الحقيقى»، ويستكمل نظرته المستنيرة الشاملة فيقول: «إذا كان إدناء الجلابيب وضرب الخُمر على الجيوب مما كان يميز الحرائر الشريفات عن الجوارى البغايا فى ذلك العصر -عصر الحرائر والجوارى- فإن لكل عصر أوضاعه الاجتماعية وأزياءه الملائمة التى تخضع لعوامل المناخ والطقس والطبيعة والعرف والعادة والظروف والملابسات، وقد انتهى عصر الحرائر والإماء -ولن يعود- وما علينا إلا أن نتخذ من الأزياء ما يليق برجالنا ونسائنا فى عصرنا، وإذا كان رجالنا وشيوخنا من أصحاب الفضيلة ورجال الدين المسلمين أنفسهم يلبسون حتى اليوم أزياء لا تمت بصلة قرابة أو نسب إلى أزياء الرسول والصحابة، فلنسائنا وفتياتنا أن يلبسن من الأزياء ما يرتاح إليه الذوق العصرى، الحضارى المهذب الرفيع، دون أن نصدّع رؤوسهن بهلوسة الحجاب ووساوس الفتنة التى نحن من خوفها فى فتنة».
يواصل الشيخ الغزالى حرب شن حملته على السلفية المتزمتة فيقول: «الحجاب الظاهرى للمرأة كما تُصوره الفتاوى الرجعية ليس إلا دوراً من الأدوار التاريخية لحياة المرأة فى العالم، وقد انتهى هذا الدور منذ زمن بعيد ولن يعود، ذلك الدور التاريخى الذى كان للحجاب والذى تعطيه الفتاوى التقليدية حجماً أكبر من حجمه بكثير، مستندة إلى أقوال وتفسيرات وتأويلات طفحت بها بعض الكتب الفقهية البائدة التى تمثل آراء أصحابها ولا تمثل الإسلام الأصيل، وتصور أحط المجتمعات الإسلامية فى العصور الوسطى ولا تمثل الظواهر الصحية والتقدمية التى عرفتها المرأة فى العصر الإسلامى الأول».
ونختتم مقتطفاتنا من حديقة الغزالى حرب الغنّاء ونبعه العلمى الفياض بقوله: «سيظل أصحاب فتاوى الحجاب والفتنة فى فتنة دائمة لا مقطوعة ولا ممنوعة ما داموا غافلين أو متغافلين عن أن هذه الفتنة قائمة بين الجنسين -ولابد- وهى سر الحياة والعمران، فلنعدل عن محاربتها إلى تنظيمها تربوياً واجتماعياً وواقعياً، بإقامة المجتمع الطبيعى بين الجنسين، لا المجتمع الانفصالى الشاذ الذى على طراز السجون والمعتقلات والقبور، فالمجتمع السافر المفتوح الجامع بين الجنسين لا مكان فيه مطلقاً للحجاب أو الاحتجاب ولا خوف فيه من السفور الذى لا صلة له مطلقاً بالفجور»!!
أراكم مندهشين قرائى الأعزاء أن يصدر هذا الكلام عن شيخ أزهرى، ولكن صدقونى هذا هو الشيخ الحقيقى الذى نحتاجه الآن، فجوهر الإسلام لم يتغير ولكن معظم الشيوخ والدعاة وقرائنا الرافضين المندهشين، وللأسف الكثير من أفراد المجتمع المصرى، هم الذين أصابهم هذا التغيير السلبى.

No comments:

Post a Comment