Translate

Sunday, March 19, 2017

خالد منتصر - الطب البديل.. علم زائف وغش وتدليس - جريدة الوطن - 19/3/2017

توصيات هيئة مفوضى الدولة للقضاء الإدارى باعتبار الطب البديل وعلاج الأعشاب.. إلخ من العلوم الزائفة وسبل الغش والتدليس والدجل الطبى، هى توصيات تاريخية تبعث الأمل من جديد بأن عقل مصر ما زالت نوّاته الصلبة بخير، وأن رياح الخرافة الصحراوية قد مست القشرة فقط، قالت الهيئة فى التوصية:
«المقصود بكل من مصطلحات الطب البديل (Alternative or Fringe Medicine)، أو الطب التكميلى (Complementary or Integrative Medicine)، أو الطب الشعبى التقليدى (Traditional or Indigenous or Folk Medicine)، أو التداوى بالأعشاب (Herbalism or Herbology or Herbal Medicine)، أو الطب الصينى أو الآسيوى (Chinese or Asian Medicine)، أو الوخز بالإبر الصينية ((Acupuncture، أو العلاج بالطاقة أو العلاج الروحى (Energy Medicine or Spiritual Healing) هى ممارسات يزعم ممارسوها أن لها آثار شفاء الطب الحديث، على الرغم من عدم ثبوت صحتها، أو عدم إثبات صحتها بشكل علمى، أو من غير الممكن إثبات صحتها بشكل علمى، أو أن لها ضرراً معروفاً، أو أن هناك اتفاقاً علمياً عاماً على أن هذه الممارسات ليس لها أثر شفائى ملموس أو ليس من الممكن أن يكون لها أى أثر شفائى من الأساس.
وأشار التقرير إلى أن هذه الممارسات تقوم على وسائل لا تعتمد على المنهج العلمى الصارم المتبع فى كليات ومدارس الطب والصيدلة الحديثة المعترف بها، حيث لا تخضع هذه الممارسات والعلاجات لقواعد القابلية للفحص والتجريب والاختبار (Testability) المشروطة فى المنهج العلمى، وغالباً ما تكون هذه الممارسات أو العلاجات قائمة على التقاليد والموروثات والثقافات الشعبية، أو الخرافات والمعتقدات المحلية أو العقائد أو الأديان أو قوى خارقة للطبيعة، أو المغالطات العلمية الجسيمة أو وسائل الاحتيال والتدليس أو الدعاية الإعلامية الموجهة الكثيفة».
والسؤال: لماذا لم نسمع عن الهندسة البديلة والفيزياء البديلة ويظل الطب هو المستباح؟؟، لأنها ببساطة سبوبة، لكن التقرير والتوصيات للأسف لم تذكر الحجامة كصورة من صور الطب البديل، وأعتقد أن الثوب الدينى الذى تتلبسه هذه الممارسة هو الذى يجعل البعض معتقداً بأنها فريضة دينية، وهى فى الواقع لا تمت للدين بصلة!!، تجار وسماسرة الحجامة يروّجون لهذه الممارسة بعبارة غير علمية تماماً اسمها «الحجامة تعالج الدم الفاسد»، العبارة لها وقع قوى ولكن على الأذن الجاهلة الجهولة، ولها صدى مؤثر ولكن على العقل الغائب المغيب، الذنب ليس ذنب القدماء على الإطلاق، ولكنه ذنب المحدثين الذين يريدون إلباس السلطة الروحية لتلك المعتقدات على جسد ممارسات محنطة ودعها الطب الحديث بمنهجه القائم على الدليل والبرهان وليس على البلاغة والبيان، لم يعد هناك ما يسمى «الأخلاط»، وأيضاً تبخرت عبارات كان يقولها القدماء، مثل هناك دم فاسد فى منطقة الظهر مختلف عن الدم الطاهر فى منطقة الرأس مثلاً!! نقطة الدم الآن من أى منطقة تقرأ لنا صورة الجسم كله، لا يوجد فاسد وغير فاسد، هناك كرات حمراء وبلازما وهرمونات وإنزيمات... إلخ، قائمة طويلة من المعايير والقياسات من خلال نقطة دم واحدة، أصبح مفهوم أن هذا الدواء يعالج هذا العضو بكامله مفهوماً لا ينفع إلا فى جلسات السمر والنميمة، هناك دواء يعالج خللاً ما فى إنزيم أو فى هرمون، يضرب جزءاً من فيروس، دورة حياة طفيل، تكاثر بكتيريا.. إلخ، أما التهريج الذى يقوله الحجّامون عن أن الحجامة تعالج 80 مرضاً وكأننا فى سوق الجملة!! فهذا كلام فارغ وإهانة أن ننسبه للدين ونجعله من صلب الإيمان والعقيدة!!، لقد بُحَّ صوتنا فى محاولة إفهام هؤلاء المتاجرين بالحجامة أن إنكارها ليس انتقاصاً على الإطلاق من قيمة الرسول ولا إهانة لسنته الشريفة، وإنما محاولة لفك أسر العقل الذى نادى به النبى، الذى قاد هذه الأمة فى الماضى إلى التقدم والرقى، ولكن هيهات، فبيزنس الحجامة أعمى العيون، فجعل المؤلفة جيوبهم يضحون بصورة الإسلام فى سبيل فيزيتة الحجامة، كل مَن يهاجم ليس على لسانه إلا حجة واحدة، وهى أن كل الأحاديث المتعلقة بالطب والعلاج واجبة الاتباع بالحرف الواحد ما دامت صحيحة السند، وسأترك الرد لبعض المستنيرين على هذه النقطة، حسماً للجدل. يقول ابن خلدون: «الطب المنقول فى الشرعيات ليس من الوحى فى شىء، وإنما هو أمر كان عادياً للعرب، ووقع فى ذكر أحوال النبى من نوع ذكر أحواله التى هى عادة وجبلة، لا من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من العمل، فإنه إنما بُعث ليعلمنا الشرائع، ولم يُبعث لتعريف الطب ولا غيره من العاديات. وقد وقع له فى شأن تلقيح النخل ما وقع، فقال: أنتم أعلم بأمور دنياكم». ويضيف: «فلا ينبغى أن يُحمل شىء من الطب الذى وقع فى الأحاديث المنقولة على أنه مشروع»، يقول الشيخ محمد أبوزهرة، فى كتابه «تاريخ المذاهب الإسلامية»، فى شأن حديث تأبير النخل: «الحديث يتعلق بالصناعات وفنون الزراعة، وتثمير الأشجار، فهل يُتصور أن النبى يمكن أن يكون حجة وذا خبرة فى فنون الزراعة والتجارة، وصناعة الزجاج والجلود، ونسج الأقطان والحرير، وغير ذلك مما يتعلق بالمهن المختلفة؟! إن كانوا يتصورون ذلك فقد خلطوا خلطاً كبيراً، ولن يميزوا بين رسول جاء بشرع من السماء، وصانع ذى خبرة فنية، وتاجر عالم بالأسواق»، ويقول الفقيه محمد سليمان الأشقر: «الأحاديث التى تدخل فى صلب الأمور الطبية والعلاجية لا ينبغى أن تؤخذ حجة للطب والعلاج، بل مرجع ذلك إلى أهل الطب، فهم أهل الاختصاص فى ذلك، أهل الطب هم أهل الحذق والمعرفة بها، وإلى المرجع فى هذا الباب. وقد يتبين فى شىء من هذه الأحاديث الخطأ من الناحية الطبية الصرفة»، وكما قال القاضى عياض: «ليست فى ذلك محطة ولا نقيصة، لأنها أمور اعتيادية يعرفها مَن جربها»، ويضيف: «ليس فى ذلك حطّ من منصبه العظيم الذى أكرمه الله به، لأن منصب النبوة مُنصب على العلم بالأمور الدينية، أما إن اعتقد أن دواء معيناً يشفى من مرض معين، فإذا هو لا يشفى منه، فإن ذلك الاعتقاد لا دخل له بالنبوة، بل هو يعتقده من حيث هو إنسان، له تجاربه الشخصية، وتأثراته بما سبق من الحوادث، وما سمع أو رأى من غيره».

No comments:

Post a Comment