Translate

Friday, March 3, 2017

د. عماد جاد - أرض الآلام - جريدة الوطن - 3/3/2016

هى أرض شبه جزيرة سيناء، هى الجزء الآسيوى من أرض مصر، هى المدخل الشمالى الشرقى لبلادنا التى كانت مصدر كل الغزوات وطريق كل قوى راغبة فى احتلال مصر، هى الأرض التى تجلى الرب الإله لموسى على جبل من جبالها، وعلى أرضها تسلم لوحى الوصايا العشر، هى أرض التيه لليهود بعد الخروج من مصر، ومنها دخل السيد المسيح والعائلة المقدسة أرض مصر، هى أرض مقدسة ومباركة، تبلغ مساحتها نحو ٦٤ ألف كيلومتر مربع، توازى نحو ٦٪ من مساحة مصر، غنية بالثروات الطبيعية والطبيعة الساحرة، تطلعت الحركة الصهيونية يوماً ما إلى إقامة الوطن القومى لليهود على أرضها، وعندما أقامته على جزء من أرض فلسطين لم تغب سيناء عن العقل الإسرائيلى الذى تطلع إليها باستمرار، فعلى أرضها ذكريات لليهود وفى خيراتها مطامع لهم. احتلتها إسرائيل عام ١٩٥٦ إبان العدوان الثلاثى الذى جمعها مع فرنسا وبريطانيا لضرب مصر الناصرية، والذريعة كانت تأميم قناة السويس، وانسحبت منها سريعاً بعد الأمر الذى أصدره الرئيس الأمريكى الجنرال أيزنهاور، للثلاثى، بالخروج من أرض مصر لأنهم أقدموا على هذه الخطوة دون الحصول على إذن واشنطن أو استشارتها قبل شن العدوان، إضافة إلى التحرك السوفيتى المقابل دعماً لمصر عبدالناصر.
هى أرض سيناء التى احتلتها إسرائيل مرة ثانية فى عدوان يونيو ١٩٦٧، وعندما طرحت مبادرات للتسوية السياسية على أساس انسحاب إسرائيل من سيناء مقابل توقيع معاهدة سلام مع مصر، رد وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه ديان قائلاً «شرم الشيخ بدون سلام مع مصر أهم من سلام مع مصر بدون شرم الشيخ». هى الأرض المقدسة التى روت رمالها دماء نحو مائة ألف شاب مصرى ضحوا بحياتهم فى الحروب مع إسرائيل دفاعاً عن أمن مصر القومى، والأمن القومى العربى والقضية الفلسطينية، ضحوا بحياتهم من أجل استرداد سيناء ومعها الكرامة العربية التى أُهدرت بفعل عدوان يونيو ١٩٦٧.
تم استرداد سيناء بفعل حرب أكتوبر ١٩٧٣، فما حققته مصر فى الأسبوع الأول من الحرب (قبل تدخّل الجسر الجوى الأمريكى وتزويد إسرائيل بصور الأقمار الاصطناعية الأمريكية) جعل رئيسة الوزراء الإسرائيلية فى ذلك الوقت، جولدا مائير، تستنجد بالإدارة الأمريكية، بوزير الخارجية (اليهودى) هنرى كيسنجر، وتلح على الرئيس الأمريكى نيكسون كى يمد إسرائيل فوراً بالسلاح وقطع الغيار لتعويض ما يدمره الجيش المصرى، جعل جولدا مائير تنهار وتقول لقادة الجيش «إنها نهاية الهيكل الثالث»، وهو تعبير يهودى تاريخى يعنى تفرق وتشتت اليهود للمرة الثالثة وهدم معبد سليمان، المرة الأولى كانت عام ٥٧٦ قبل الميلاد على يد نبوخذ نصر وتم سبى اليهود فيما يعرف تاريخياً بـ«السبى البابلى»، والمرة الثانية كانت عام ٧٠ ميلادية عندما تم تخريب القدس على يد القائد الرومانى تيطس، وهكذا قدرت مائير أن حرب أكتوبر ١٩٧٣ هى حرب تدمير الوجود اليهودى للمرة الثالثة فى التاريخ.
استردت مصر سيناء جزئياً بحرب أكتوبر، واستكملت الاسترداد عبر مفاوضات سلام مضنية، وتم توقيع اتفاقية كامب ديفيد عام ١٩٧٨، ثم معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية فى ٢٦ مارس ١٩٧٩، وأكملت مصر استرداد سيناء فى ٢٥ أبريل ١٩٨٢، وتبقى كيلومتر واحد خاضت مصر بسببه معركة قانونية رائعة قادها فريق من رجال القانون والدبلوماسية حتى صدر حكم محكمة العدل الدولية بأحقية مصر فى «طابا»، وتسلمنا الكيلومتر الأخير من سيناء عام ١٩٨٩. أصيب رئيس الوزراء الإسرائيلى الليكودى الذى وقع معاهدة السلام، مناحم بيجن باكتئاب شديد، اعتزل الحياة السياسية وغادر إلى مكان بعيد وسرعان ما مات كمداً حزناً على سيناء التى عادت لمصر. عادت سيناء لمصر فكانت الاحتفالات والكرنفالات وسلسلة الأغانى التى تقول إن سيناء عادت كاملة لمصر، عادت سيناء لمصر ولكن القيادة المصرية ممثلة فى نظام مبارك حافظت على مسافة نفسية كبيرة مع سيناء وأهلها، اكتفينا من سيناء بمجموعة منتجعات فى الجنوب (شرم الشيخ بالأساس) قاصرة على أثرياء الوطن، وسياحة أجنبية تأتى مباشرة، وفرض النظام طوقاً أمنياً على هذه المناطق، وظل باقى سيناء مهجوراً، يزداد أهله فقراً على فقر، بل تعامل النظام معهم برؤية أمنية خالصة ترى فى أهل سيناء مجموعة من المهربين وتجار المخدرات والخطيرين على أمن المنتجعات السياحية وأمن مصر القومى، فحق أن نطلق عليها، وهى أرض الفيروز، «أرض الآلام».
جاءت الثورة وجاء «مرسى» فزاد من آلام «أرض الفيروز».
وللحديث بقية

No comments:

Post a Comment